بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من صحت عقيدته يعيش لعمل صالح يصلح للعرض على الله :
أيها الأخوة الكرام هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء حوائج المسلمين؛ قبل أن نقرأ الأحاديث، ونشرحها إن شاء الله تعالى لابد من مقدمة.الإنسان إذا صحت عقيدته؛ أي عرف سرّ وجوده؛ عرف حقيقة الكون؛ لماذا خلق الكون؟ ولماذا خلقت الحياة الدنيا؟ ولماذا خلق الإنسان؟ إذا عرف أنه المخلوق الأول؛ والمكلف، والمكرم، وأنه مخلوق للجنة، وأن الدنيا حياة دنيا تمهيد للحياة العليا؛ وأن ثمن الجنة تزكية النفس أولاً، والعمل الصالح ثانياً، إذا فهم هذه الحقائق؛ انطلق- بالتعبير الحديث- من إستراتيجية؛ أي هناك فلسفة، هو يعيش لعمل صالح يصلح للعرض على الله، يعيش ليزكي نفسه، لتسعد في جنة ربها إلى أبد الآبدين، هذه الحقيقة في ذهنه كل دقيقة؛ لذلك يبني حياته على العطاء، الكافر بنى حياته على الأخذ- بأي طريق- بشكل مشروع، بشكل غير مشروع؛ بشكل واضح، بشكل احتيالي، بشكل قسري، بالإمكانات، باستخدام قوته، أو باستخدام ذكائه ليأخذ، المؤمن ليعطي.
هناك بون شاسع بين المؤمن والكافر؛ هذا ينطلق من إستراتيجية، وهذا ينطلق من إستراتيجية؛ هذا ينطلق- المؤمن- من العطاء، والآخر ينطلق من الأخذ؛ لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والطغاة أخذوا ولم يعطوا، أخذوا كل شيء، و لم يعطوا شيئاً، أما الأنبياء فأعطوا كل شيء ولم يأخذوا شيئاً؛ المؤمن تابع للأنبياء، وأهل الدنيا يتبعون الأقوياء، أهل الدنيا يأخذون؛ أي يعد نفسه ذكياً جداً إذا قدر أن يجمع أكبر قدر من المال- ولو من طريق غير مشروع- إذا قدر على أن يرفه نفسه إلى أعلى درجة، إذا قدر على أن يسكن بأفخر بيت، يركب أجمل سيارة، يقترن بأجمل امرأة، أن يكون له أعلى منصب، أن يصل لأعلى درجة من الترف والبذخ؛ يعد نفسه ذكياً وشاطراً، وهو الفهيم الوحيد، المؤمن بالعكس بقدر ما يعطي يعد نفسه ذكياً، بقدر ما يخفف عن الناس آلامها، بقدر ما يشيع الفضيلة والهدى والحق؛ يعد نفسه ذكياً؛ قضية رؤية، مثلاً هناك شخص بنى حياته على الإنفاق، و شخص بنى حياته على الاستثمار، يجمع ليشتري بيتاً، يقول لك: سيرتفع ثمنه فيما بعد، يجمع ليشتري دكاناً، يقول لك: سيرتفع ثمنها فيما بعد؛ باني حياته على التجارة، شخص باني حياته على إنفاق المال بشكل غير صحيح؛ هذا منطلق من فكرة وهذا من فكرة.
العقيدة الصحيحة تضع الإنسان في مكانه الصحيح :
الحقيقة العقيدة الصحيحة تضعك في مكانك الصحيح؛ العقيدة الصحيحة تجعل حياتك مُجْدية؛ فتجد المؤمن الصادق ليس له همّ إلا هماً واحداً؛ يعطي؛ يعطي من علمه، يعطي من خبرته، يعطي من ماله؛ يخفف آلام الآخرين، يصبر الناس، يقنعهم، يدلهم على الله عز وجل:
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
والله هناك آية أيها الأخوة إذا الإنسان قرأها، وعرف أبعادها؛ يقشعر جلده؛ الله عز وجل خاطب سيدنا موسى؛ فقال له:
﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾
أي أنت مصمم خصيصاً لخدمة الخلق، الناس يقلقون على الدين؛ يقول لك: الدين في خطر، أعداء الدين كثر، أعداء الدين أقوياء، أعداء الدين خبثاء، يتآمرون على الدين، أهل الأرض كلهم إهلاكهم كإهلاك واحد:(إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ )
الدين الإسلامي واجه مؤامرات لو واجهتها جبال الدنيا كلها لانهارت؛ وهو صامد كالطود، كم مؤامرة مرت عليه بتاريخ المسلمين؟ القرامطة والشعوبيون، تجد آلاف الطوائف كلها الآن في الوحول، أين أصحابها؟ وأين مؤامراتهم؟ كله انتهى،والإسلام شامخ:
﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾
لكن أنا أقلق أن الله هل سمح لي أن أنصر دينه؟ سمح لي أن أقدم شيئاً؟ سمح لي إذا وقفت بين يديه يوم القيامة يا رب! أنا عملت ما بوسعي، عملت جهدي في أن أنشر دينك، أن أنصره، اقلق فقط عن إذا سمح الله لك أو لم يسمح؛ لأنه:
﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾
حياة المؤمن مبنية على العطاء؛ يعطي وقته، يعطي ماله، يعطي خبرته؛ تجد المؤمن إن كان لديه مصلحة أو حرفة؛ يعلمها ورزقه على الله، أما الثاني فيمنعها، لا يعلم أحداً؛ عنده وهم أنه إذا علم تقل رزقته، بكل المجالات إذا وازنت بين المؤمن والكافر فهناك مئة وثمانون درجة بينهما بكل شيء؛ في بيته, في زواجه- المؤمن يختار الزوجة الصالحة، ذلك يختار الزوجة الجميلة فقط لا يهمه دينها- هذا يختار حرفة تنفع الناس، ذاك يختار حرفة مربحة- ولو كان ملهى- الآن هناك ضائقة اقتصادية عامة بالعالم كله، هناك كساد, أما الفسق والفجور فرائج جداً؛ قال لي أحدهم- اشتغل بمقصف يقدم خموراً و يقدم رقصاً -قال لي: والله أرباح هذا المقصف ثمانية ملايين بخمسة وأربعين يوماً بهذه الضائقة الشديدة، بهذا الوضع الصعب؛ كل شيء واقف، الرذيلة رائجة؛ فيها أرباح طائلة، فالناس يريدون أن يربحوا؛ سواء أكان ملهى، أو محل أشرطة فيديو، تأجير بمواد محرمة؛ يريد أن يربح؛ استراتيجية المؤمن؛ المؤمن بنى حياته على العطاء، بنى حياته على خدمة الناس؛ لأنه هو الرابح، حينما يلقى الله يرى مقامه عند الله، هو يبحث عن سعادة أبدية؛ والناس يبحثون عن سعادة مؤقتة، وأنا قلت لكم سابقاً: كل مكتسبات الناس - تجد عمره خمسة وخمسين عاماً، ستين عاماً؛ مات موتاً حتى وصل إلى هنا- كل آماله منوطة باتساع شريان قلبه التاجي، كل آماله منوطة بنمو خلاياه؛ إذا اضطربت الخلايا؛ انتهى.كان لي طالب له خال كان صاحب سينما، يأتي بأفلام منحطة؛ حتى يقبل هؤلاء الشباب ويربح هو، قال لي: أصابه مرض سرطان بالدم- بالأربعينات- فصار يبكي، هو ابن أخيه كان طالبي، فقال هذا الخال لابن أخيه: أنا جمعت حوالي خمسة أو ستة ملايين- هذه قصة بالستينات- تصور خمسة ملايين بالستينات، كان الدولار بثلاث ليرات، كان البيت ثمنه عشرة آلاف ليرة، جمعت خمسة ملايين أو ستة حتى أرفه نفسي فلم أتمكن من ذلك، كل شيء أنت تجمعه منوط بهذا الشريان التاجي، منوط بنمو الخلايا، منوط بسيولة الدم، أما الآخرة فمضمونة؛ الآخرة ليس فيها قلب، الآخرة ليس فيها سرطان، الآخرة ليس فيها أمراض، الآخرة فيها نعيم مقيم؛ فالمؤمن أعقل؛ آثر الآخرة وبذل في الدنيا، فانطلاقاً من هذه النظرة إلى العطاء في الدنيا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( المسلمُ أخو المسلم، لا يَظلمُهُ، ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخيهِ كان اللهُ في حاجَتِهِ))
مَن كانَ في حاجَةِ أخيهِ- أي باني حياته على خدمة الخلق-.للإنسان مقام عند الله يصل إليه بالعمل الصالح أو بالصبر على المصائب :
بالمناسبة إما أن تعطي، وإما أن تشغل بنفسك؛ لك عند الله مقام إما أن تصل إليه بالعمل الصالح، أو بالصبر على المصائب، فإما أن تعطي، وإما أن تبتلى، أيهما أريح؟ أن تعطي:
((....ومَن كانَ في حاجَةِ أخيهِ كان اللهُ في حاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسلِم كُرْبَة فَرَّجَ اللهُ عنه بِهَا كُرْبَة من كُرَبِ يومِ القيامةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِماً سَتَرَهُ اللهُ يوم القيامةِ ))
هذا حال المؤمن:
((لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا))
هم في مساجدهم والله في حوائجهم؛ كل إنسان يخرج من ذاته لخدمة الخلق الله يتولى أموره الشخصية، أموره محلولة، ميسرة، مريحة.
(( ومن فرج عن مسلم كربة))
مهموم أقرضه، خائف طمأنه، في حيرة دلّه على الله:
((وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسلِم كُرْبَة فَرَّجَ اللهُ عنه بِهَا كُرْبَة من كُرَبِ يومِ القيامةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِماً سَتَرَهُ اللهُ))
هناك إنسان فضاح؛ يريد قصة يدندن بها، عندما يصل إلى سمعه موضوع ينشره بين الخلق و كأنه إذاعة، وهناك إنسان ستير يستر، قال لك قصة هذه بينك وبينه، أمر وأغلق، هذا المؤمن:
((وَمَن سَتَرَ مُسلِماً سَتَرَهُ اللهُ يوم القيامةِ))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((من نفس عن مسلم مَن نَفَّسَ عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدنيا نَفَّسَ اللهُ عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة، ومن يَسَّرَ على مُعْسِر في الدنيا، يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ على مُسلِم في الدنيا سَتَرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرَةِ، واللهُ في عَونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عَونِ أَخيهِ))
هذه الأحاديث لو طبقت لكان المسلمون في حال غير هذا الحال، هذه الأحاديث كلها تعاون، تجد كل واحد يبذل جهده لخدمة أخوانه، والله عز وجل يحبنا عندئذ جميعاً، يصير يعطي الجميع؛ تجد مشكلات كبيرة جداً؛ قال لي شخص كلاماً مؤلماً جداً عن الدعارة؛ تسعون بالمئة من النساء يمارسن الدعارة عن فقر شديد، وعشرة بالمئة عن فساد، أما امرأة لها زوج ولها أولاد؛ تبيع شرفها وعرضها خلسة من أجل أن تأخذ المال- عن فقر شديد-؟! وأغنياء المسلمين غافلون، لو كان هناك أغنياء مؤمنون كانوا لا ينامون الليل؛ هناك امرأة عملت دراسة للسجون، والمصحات، ودور إصلاح الأحداث؛ وجدت أكثر المومسات عن حاجة، و قسم قليل عن فساد، أين الأغنياء؟! امرأة تبيع جسدها من أجل لقيمات! المسلمون يأثمون جميعاً؛ إذا ممكن أن تسقط المرأة من أجل المال، طبعاً هي جاهلة وفي حاجة ماسة للمال، تستغل هذه الحاجة، وتنتقل من امرأة شريفة إلى امرأة ساقطة، فلذلك المؤمن عندما يعيش للآخرين تحل مشاكل المسلمين كلها.
العطاء ثمن الجنةوالسعادة أساسها أن يخرج الإنسان من ذاته لخدمة الخلق :
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((على كُلِّ مسلمٍ صدقةٌ، قيل: أرأيت إنْ لم يَجِدْ؟ قال: يَعْتَمِلُ بِيَديْه، فينفعُ نفسَهُ ويتصدَّقُ، قال: أرأيتَ إنْ لم يستَطِعْ؟ قال: يُعينُ ذا الحاجة الملْهُوفَ، قال : قيل له: أرأيتَ إن لم يستطع ؟ قال: يأمُرُ بالمعروف، أو الخير، قال: أرأيت إنْ لم يفْعَل؟ قال: ' يُمسِكُ عن الشَّرِّ، فإنَّها صدقة))
كيفما تحرك هناك صدقة؛ الحد الأدنى الأدنى الأدنى أن يمسك أذاه عن الناس، تصدق عن نفسه أنه كف عن الناس، أو تكلم، أو أنفق، أو عمل عملاً طيباً؛ ونفع أهله وأولاده، أو خدم أو قدم ماله، في الإسلام لا يوجد إنسان ساكن هناك إنسان حركي؛ الحركة فيها بركة.محور الدرس أن الإنسان إذا عرف الله، وعرف سرّ وجوده في هذا الكون، وعرف حقيقته، وعرف حقيقة الدنيا؛ ينطلق من إستراتيجية العطاء، العطاء ثمن الجنة، وأبلغ شيء الإنسان عند الموت يندم على عمل صالح فاته:
﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾
إذاً الناس كلهم ورشة عمل للعمل الصالح، فالإنسان إذا خرج من ذاته لخدمة الخلق سعد، والسعادة أساسها أن تخرج من ذاتك لخدمة الخلق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق