Ads 468x60px

.

الجمعة، 2 أغسطس 2013

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحياء . للدكتور / محمد راتب النابلسي

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.


الحياء من الإيمان :
 عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رَسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَرَّ على رَجُلٍ من الأنْصَار وهُو يَعِظُ أخَاهُ في الْحياءِ، فقال عليه الصلاة والسلام:
((دَعْهُ فَإنَّ الحياءَ من الإيمانِ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن عبد اللَّه بن عمر]
 هذا الحديث يربط بين الخُلُق وبين الإيمان, والحقيقة التي يغفل عنها معظم الناس أنه لا يمكن أن تكون أخلاقياً إلا إذا كنت مؤمناً، لأن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى, فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً.
 فالحياء من الإيمان, رحمة القلب من الإيمان, الإنصاف من الإيمان, التواضع من الإيمان, فإذا أردت خلقاً حسناً فابحث عن الإيمان, الإيمان أساس الخلق الحسن.
 وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:

((الحياء لا يأتي إلا بخير))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين]
 الفضائل كلها لها حدود معتدلة, فالحياء خلق, أما الخجل فمرض, إنسان يخجل أن يطالب بحقه, يخجل أن يعلن عن اتجاهه, يستحي بدينه, هذا خجل, وإنسان يكون وقحاً, لا يعبأ بأحد مرض؛ فالخجل مرض, والوقاحة مرض, بينهما الحياء, ولو ذهبت لمعظم المكارم الأخلاقية لوجدت أن الفضيلة وسط بين رذيلتين, فالحياء فضيلة, الخجل رذيلة, الوقاحة رذيلة, الشجاعة فضيلة, التهور رذيلة, الجبن رذيلة, الكرم فضيلة, الإشراف رذيلة, التقصير رذيلة, فدائماً الفضيلة وسط بين رذيلتين:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾
[سورة البقرة الآية:143]
 وسطاء, وهناك اعتدال بالخلق بين تطرفين.
الحياء رادع داخلي :
 فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:
((الحياء لا يأتي إلا بخير))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين]
 إذا الإنسان استحى أن يعمل معصية معنى هذا أن الحياء لجام, الحياء رادع داخلي, وبالمناسبة الإنسان يُحب أن يدعو إلى الله, أما إذا وجدت إنساناً أخلاقياً, و لو كان غير مسلم فإنك ستحترمه, أما إنسان غير أخلاقي أبداً, لو رأيته له عبادات لا تعبأ به إطلاقاً, لأنه لو كان له اتصال بالله لكان على شيء من الخلق, فما لم يتصل بالله إطلاقاً ستجد بالمقابل لا يوجد له أخلاق أبداً, لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
 قال له:
(( أسلمت على ما أسلفتَ لك من خير ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام]
 ولا يوجد مؤمن تفوق إلا لسبب بالجاهلية, كان له مواقف أخلاقية, فلما جاءه الهدى تفاعل معه؛ فالإنسان إن لم يكن فيه رحمة إطلاقاً, ولا يوجد عنده إنصاف أبداً, وقح إلى درجة متناهية, هذا الإنسان لا ترجو منه الخير إطلاقاً, لأنه مقطوع عن الله, فإذا بدا لك منه عبادة, أو التزام بالدين, فهذا لا يقدم ولا يؤخر, غير الملتزم الأخلاقي أقرب إلى الله من الملتزم اللاأخلاقي.
 وفي رواية لمسلم:

((الحياء خير كله))
[ مسلم عن عمران بن حصين]
 الحياء خير.
الإيمان المنجي هو الإيمان الذي يحمل الإنسان على طاعة الله :
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((الإيمان بضع وسبعون, أو بضع وستون شعبة, أفضلها قول: لا ﺇله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة]
 الإنسان أحياناً يفعل عملاً, هذا العمل لا بد من أن يُفسَّر بالإيمان, شخص وجد قشرة موز في الطريق أزاحها, إذا أماط الأذى عن الطريق فهذا العمل يعد من أقل درجات الإيمان, وأن تصل إلى التوحيد هذا من أعلى درجات الإيمان, أعلى شيء في الإيمان التوحيد؛ فبين أن تميط الأذى عن الطريق وبين أن توحد ثلاثاً وسبعين درجة, أو ثلاثاً وستين درجة من هذه الدرجات, والحياء شعبة من الإيمان, لذلك الإيمان دائرة تتسع لكل المؤمنين, مركزها النبوة, فهناك مؤمن على المحيط, وهناك مؤمن بالأعماق, فكلما تقدمت إلى مركز الدائرة كنت أقرب إلى قوة الإيمان, مركز الدائرة النبوة.
 أي كل شخص قال: لا ﺇله إلا الله, إنسان عمل عملاً صالحاً ابتغاء وجه الله, عمل صالح واحد هذا أدخله في دائرة الإيمان, لكن ما كل عمل يدخله في دائرة الإيمان يردعه عن المعاصي والآثام, الإيمان المنجي الإيمان الذي يحملك على طاعة الله, هناك إيمان غير منج, لذلك:

((الإيمان بضع وسبعون, أو بضع وستون شعبة, أفضلها قول: لا ﺇله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة]
الإيمان أن تجمع بين الأخذ بالأسباب وأن تتوكل على الله عز وجل :
 التوحيد هو أعلى درجة في الإيمان, ما كل مؤمن موحد, الله عز وجل قال:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾
[سورة يوسف الآية:106]
 مؤمن بالله خالق الكون, لكن يرى قوى بالحياة يتقيها ويهابها مما سوى الله عز وجل, فهذا شرك, عندنا شرك جلي, وعندنا شرك خفي؛ الجلي قلّما تجده في العالم الإسلامي, أما الخفي فمنتشر وواسع جداً. يقول الله عز وجل:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾
[سورة يوسف الآية:106]
 فالإنسان إذا استطاع أن يصل إلى الإيمان بلا ﺇله إلا الله, ومات غير مشرك, وجبت له الجنة, واستحق شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام, فالنبي يشفع لمن مات غير مشرك, والشرك واسع جداً. الإنسان إذا اعتمد على ماله فقد أشرك, إذا اعتمد على أولاده فقد أشرك, إذا اعتمد على صحته فقد أشرك, إذا اعتمد على خبرته فقد أشرك, بل إن الإيمان أن تجمع بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل على الله, والجمع بينهما يحتاج إلى جهد, فالذي يأخذ بالأسباب يتوهم أنه وصل إلى نتائج ينسى الله عز وجل, وهذه مشكلة الغرب؛ أخذوا بالأسباب, وألَّهوها, ونسوا الله عز وجل, والشرق لم يأخذ بالأسباب فعصى, والإيمان أن تجمع بين الأخذ بالأسباب, وأن تتوكل على الله عز وجل, هذا الذي يرقى بك إلى مستوى الإيمان بلا ﺇله إلا الله, ومع الإيمان بلا ﺇله إلا الله لا ترى أحداً مع الله, ولا ترى منعماً إلا الله, ولا ترى جهة تخيفك إلا الله, هذا الإيمان كفكرة سهلة, أما أن تعيش هذا المعنى, فهذا يحتاج إلى جهد كبير, أما أن تعيش هذه الفكرة, أن تذكرها, أن تشرحها, فالقضية سهلة. فالإنسان أحياناً يضعه الله في امتحان صعب, شخص قوي, وفيما يبدو لك أنه يفعل ما يقول, وكأن له إرادة, وفعل مستقلة عن الله عز وجل, فالإيمان البسيط يتزلزل أمام هذا الشخص القوي, أما الإيمان القوي فيضعف, الإيمان القوي يُضعف الخوف من هذا الإنسان, فلا يعبأ به.
البِر و الإثم :
 وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال:
((سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: البِرُّ: حُسْنُ الْخُلُق، والإثمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهتَ أَن يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن النواس بن سمعان]
 البر: حسن الخلق, أما الإثم فما حاك في صدرك, هذه الفطرة السليمة, الإنسان يعلم علم اليقين ما إذا كان على حق, أو على باطل:
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
[سورة القيامة الآية:14-15]
 فالشيء الذي تكره أن يطلع الناس عليه هذا هو الشيء غير الصحيح, هذا هو الإثم بعينه, فالنفوس جبلت جبلة راقية, فما دامت على حق لا تستحي بحالها, ما دامت على باطل تستحي به, إذاً النفس بصيرة, ولو نمينا بالإنسان الفطرة العالية لحلت كل مشكلاتنا.
 كل إنسان يبحث عن راحته, وعن سلامته, راحته في طاعة الله, والدليل: الطاعة مريحة للإنسان؛ الصادق مستريح, الصادق أمين, الصادق متوازن, أما الإنسان إذا خرج عن فطرته, فالاضطراب يبدأ, والكآبة تبدأ, فالكآبة هي عذاب الفطرة لصاحبها.

صاحب الدين إنسان كامل ينبع كماله من اتصاله بالله عز وجل :
 آخر حديث: يقول عليه الصلاة والسلام:
((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً, ولا متفحشاً, وكان يقول: إن من خياركم: أحسنكم أخلاقاً))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
 غير مقبول أبداً أن تفصل بين الخلق والدين, فلان صاحب دين لكن قلبه قاس, معنى ذلك أن إيمانه ضعيف جداً, فلان صاحب دين لكنه يحب حاله, لا يصح ذلك, صاحب الدين إنسان كامل, كماله بسبب اتصاله بالله عز وجل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 

المشاركات الشائعة

أكثر المواضيع زيارة دوماً

أكثر المواضيع زيارة خلال شهر