الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب- مرض- ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه))
قاعدة أساسية: كل مصائب المؤمن تكفير لخطاياه؛ وتخفيف من ذنوبه، ما يصيب المؤمن من نصب- النصب هو التعب- ولا وصب - والوصب هو المرض- ولا هم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه، وفي رواية أخرى:
((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته))
طبعاً هذا خاص للمؤمن؛ مصائب الكافر عقاب، مصائب الكافر ردع، مصائب الكافر قصم، لكن مصائب المؤمن دفع، ورفع، وترقية.وهناك آية بالقرآن الكريم متعلقة بمصائب المؤمنين:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((مَا مِنْ مُصيبة تُصِيبُ المسلم إلا كفَّر الله عنه بها، حتى الشَّوكةِ يُشاكُها))
ما من؛ "من" تفيد استغراق أفراد النوع، إنسان يمشي في الطريق، هناك مسمار في الباب بارز؛ خدشت يده- دون أي ألم- هذا الخدش داخل في المصيبة، ما من مصيبة؛ "من" تفيد استغراق أفراد النوع.وفي رواية لمسلم:
((لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها؛ إلا نقص الله بها من خطيئته))
وفي رواية ثالثة:
((إلا رفعه الله بها درجة، وحط الله عنه بها خطيئة))
يبدو أن المؤمن له عند الله مرتبة؛ إما أن ينالها بعمله الصالح، وإما أن ينالها بصبره، فإذا عمله قليل ينالها بصبره؛ إما أن ينالها بعمله الصالح، وإما أن ينالها بصبره؛ معنى ذلك أمامكم خيار؛ العمل الصالح يؤدي المهمة نفسها؛ لذلك أنت اختر بين العمل الصالح وبين أن تصبر فترقى، إما أن تعمل فترقى، وإما أن تصبر فترقى.ومن قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم، أنت يفترض بك أن تكون لك سرعة معينة إلى الله هذه السرعة إن لم تكن بالعمل الصالح تكون بالصبر.
المصائب للمؤمن تكفير لذنوبه ورفع لدرجاته :
هناك حديث آخر:
(( دخل شاب من قريش على عائشة -وهي بِمنى- وهم يَضْحَكُون ، فقالت : ما يُضْحِكُكم؟ قالوا : خَرَّ فلان على طنُبِ فُسطاطِ- الطنب: الحبل، والفسطاط: الخيمة، يبدو تعثر على طنب فسطاط- فكادَتْ عُنُقُهُ،أو عينه أن تذهبَ، فقالت: لا تضحكوا، فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: مَا مِنْ مُسلم يُشاكُ شوكة فما فوقها إلا كُتب له بها درجة، ومُحِيَتْ عنه بها خطيئة ))
يجب أن نستبشر، أقل المتاعب، أقل الهموم، أقل الأحزان، أقل المصائب، نقص في الأموال، نقص في الأنفس، خوف، مرض، نقص في المحاصيل، آفة أطاحت بالموسم- هذه مصيبة- كل هذه المصائب للمؤمن تكفير لذنوبه، ورفع لدرجاته.
((عن عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابنُ عباس: ألا أُرِيكَ امرأة من أهل الجنة؟ قلتُ : بلى، قال: هذه المرأةُ السوداءُ؛ أَتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: إِني أُصْرَعُ، وإِني أَتََكشَّف- تقع بالساعة- فادْع الله لي، قال: إن شئتِ صبرتِ، ولكِ الجنةُ، وإن شئتِ -دعوتُ الله- أن يعافيكِ، فقالت: أصبرُ، فقالت: فإني أتكشَّفُ فادْع الله أن لا أتكشَّف، فدعا الله لها ))
شيء آخر، قال عليه الصلاة والسلام:
((إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً))
هذا من كرم الله عز وجل، والإنسان بالمرض كل أعماله التي كان يعملها وهو صحيح تكتب له؛ إنسان سافر؛ كل أعماله التي كان يعملها وهو مقيم تكتب له.وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
((دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فمسسته؛ فقلتُ : يا رسول الله، إنك تُوعَك وَعْكا شديداً- مثل النار يده- فقال : أجل ، إني أُوعَك كما يُوعَكُ رجلان منكم، قلتُ: ذلك بأن لك أجْرين؟ قال: ' أجل، ما مِنْ مسلم يُصيبه أذى- من مَرَض فما سواه - إلا حَطَّ الله به سَيِّئاته كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقَها ))
هذا كلام مريح، مصائب المؤمنين تكفير للذنوب، وفي رواية أقولها لكم دائماً: لما رأى النبي الكريم ابنته فاطمة تشكو من الحمى، قال: "مالك يا بنيتي؟ قالت: حمى لعنها الله قال: لا تلعنيها؛ فو الذي نفس محمد بيده، لا تدع المؤمن وعليه من ذنب".لا تدع شيئاً.
و هناك حديث آخر:
((أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخل على أمِّ السائب، فقال: مالَك تُزَفْزِفين؟- ترتجف من الحمى- قالت: الحُمَّى، لا بارك الله فيها، فقال: لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنها تُذْهِبُ خطايا بني آدم، كما يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحديد ))
وجاء في الحديث القدسي:
(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو اقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))
وعن أنس رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر- بعينيه-؛ عوضته منهما الجنة))
بقي حديثان الأول:
((عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له، وليس ذلك لغير المؤمن))
هذه معاملة خاصة للمؤمن على الخير يرقى، وعلى المصائب يرقى، إن أصابهُ خير شكر فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر فكان خيراً له.آخر مثل، المؤمن شبهه النبي بالنبات اللين؛ تأتي الريح فتفيئه- ينحني- تنتهي الريح يبقى كما كان؛ أما الكافر فمثل السنديانة؛ تأتي الريح فتقلعها مرة واحدة؛ مصيبة الكافر مصيبة قصم؛ ضربة واحدة، يكون ذا صحة، قوة، مال، عز، شأن، إلى أن يأخذ مداه؛ تأتيه ضربة قاصمة، أما المؤمن فيحاسب كثيراً؛ فهناك مرونة؛ تأتي الريح فتفيئه ثم يعود، تفيئه ثم يعود، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((مثل المؤمن كمثلِ الخَامَةِ مِنَ الزَّرعِ، تُفِيئها الريحُ، تَصرَعُهَا مرةً، وتَعْدِلُها أُخرى، حتى تَهيجَ ))
- حتى تعتدل- وفي رواية:
(( حتّى يأتِيَهُ أَجلُهُ ))
هذه كلها أحاديث في البخاري ومسلم عن المصيبة، وكيف أنها تخفف من ذنوب المؤمن وتكفر من سيئاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق