Ads 468x60px

.

السبت، 4 أغسطس 2012

من أسرار القران . للدكتور / زغلول النجار





﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً*وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً*وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ
هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً *وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً *وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً *إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً*وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً *وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً *إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً *وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً *وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً *وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُماًّ وَعُمْيَاناً*وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً *أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً *خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً *قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً(لفرقان‏:61‏ ـ‏77)‏

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر النصف الأول من سورة الفرقان‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها‏(77)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم الذي هو من أسماء القرآن الكريم لكونه فارقا بين الحق والباطل‏,‏ ولكون هذه السورة المباركة جزءا من هذا الكتاب العزيز‏,‏ وهي بذلك فارقة بين الحق والباطل‏,‏ شأنها في ذلك شأن كل سوره‏,‏ وآياته‏,‏ وكلماته‏.‏ هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة الفرقان‏,‏ ونستكمل هنا ما ورد فيها من الإشارات العلمية والتاريخية‏
من الإشارات الكونية في سورة الفرقان‏:‏
‏(1)‏ التأكيد علي حقيقة الخلق والتقدير الدقيق لكل مخلوق‏.‏‏
(2)‏ الإشارة إلي أن من بدايات تهدم النظام الكوني في يوم القيامة تشقق السماء بالغمام‏.‏‏
(3)‏ ذكر أن الله ـ تعالي ـ أغرق الكافرين من قوم نوح‏,‏ وجعل من إغراقهم آية للناس‏.‏‏
(4)‏ التعبير بظاهرتي مد الظل وقبضه‏,‏ واختلاف الليل والنهار عن حقيقة كروية الأرض‏,‏ ودورانها حول محورها أمام الشمس‏,‏ وعن تركيب أشعة الشمس ومنها موجات الضوء المرئي التي لا تخترق الأجسام المعتمة فتتكون الظلال‏.‏‏
(5)‏ الإشارة إلي تخصيص الليل للنوم والراحة‏,‏ وتخصيص النهار للكد والكدح والجري علي المعايش والقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها‏.‏
‏(6)‏ التأكيد علي أن الله ـ تعالي ـ هو الذي يرسل الرياح بشري بين يدي رحمته‏,‏ وينزل من السماء ماء طهورا ليحيي به أرضا ميتة‏,‏ ويسقيه مما خلق أنعاما وأناسي كثيرا‏.‏
‏(7)‏ الإشارة إلي أن الله ـ سبحانه وتعالي ـ هو الذي مرج البحرين‏:‏ العذب الفرات من جهة‏,‏ والملح الأجاج من جهة أخري‏,‏ وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا‏.‏
‏(8)‏ التأكيد علي أن الله ـ تعالي ـ هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا‏.‏
‏(9)‏ الإشارة إلي أن الله الخالق أبدع السماوات والأرض في ستة أيام‏(‏ أي ست مراحل متتالية‏)‏ تحاول العلوم المكتسبة استجلاءها‏.‏
‏(10)‏ التأكيد علي أن بروج السماء‏,‏ والشمس‏,‏ والقمر هي كلها من إبداع الخالق العظيم‏.‏ ووصف الشمس بالسراج‏,‏ ووصف القمر بأنه منير من الدقة العلمية بمكان‏,‏ ومن التفريق بين الضياء والنور في زمن لم يكن هذا العلم متاحا لأحد من البشر ولا لقرون طويلة بعد نزول الوحي‏.‏

وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الثالثة من القائمة السابقة والتي جاءت في الآية السابعة والثلاثين من سورة الفرقان‏.‏
من الدلالات العلمية والتاريخية للآية الكريمة‏:‏
أولا‏:‏ في قوله تعالي‏: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ.... ﴾
كان نوح ـ عليه السلام ـ أول الرسل‏,‏ ويعتبر الأب الثاني للبشرية بعد آدم عليه السلام‏,‏ وقد جاء ذكر نبي الله نوح‏(43)‏ مرة في القرآن الكريم‏,‏ وسميت باسمه إحدي سور هذا الكتاب العزيز الذي يذكر أن هذا النبي بعث لهداية قومه الذين كانوا قد ارتدوا عن التوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ إلي عبادة الأصنام‏,‏ وكانوا أول من عبدها من بني آدم‏.‏

ولبث هذا الرسول الصالح في دعوة قومه إلي عبادة الله ـ سبحانه وتعالي ـ وحده ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يؤمن منهم إلا أقل القليل‏.‏ ولما يئس نوح ـ عليه السلام ـ من إمكانية هداية قومه دعا الله ـ تعالي ـ أن يتنزل بهم عقابه‏,‏ واستجاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ دعاءه فأغرقهم‏,‏ ونجي عبده ونبيه نوحا والذين آمنوا معه‏,‏ وما اصطحب من أزواج الحيوان والنبات في سفينة كان قد أمره الله تعالي ببنائها قبل وقوع الطوفان‏.‏
ومن الثابت في السنة النبوية الشريفة أن آدم ـ عليه السلام ـ وذريته عاشوا علي التوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ عشرة قرون كاملة‏,‏ حتي كان قوم نو ح فاجتالتهم الشياطين‏,‏ وأغرتهم بعبادة الأصنام‏,‏ ولم يستمعوا لدعوة نبيهم بل سخروا منه وآذوه وأنكروا نبوته وصحفه فعاقبهم الله ـ تعالي ـ بأن أغرقهم بالطوفان ونجي نبيه نوحا والذين آمنوا معه‏.‏
وجاءت الإشارة إلي طوفان نوح في العديد من الأسفار القديمة من مثل كتب كل من اليهود‏,‏ والمجوس‏,‏ والآثار البابلية القديمة‏,‏ وكتب العقائد اليونانية القديمة وغيرها حتي لا تكاد تخلو أدبيات أي من الحضارات الإنسانية من ذكر لواقعة الطوفان‏.‏ ولكن الفارق بين تلك الروايات القديمة وما جاء به القرآن الكريم هو الفارق بين كلام البشر وبيان رب العالمين‏.‏ وتكفي في ذلك الإشارة إلي ما جاء في الإصحاح الثاني من سفر التكوين في العهد القديم من أن الطوفان قد عم كل الأرض‏.‏ والدراسات العلمية تؤكد أنه كان سيلا عظيما أغرق المنطقة بين نهري دجلة والفرات فقط‏.‏
كذلك أشار سفر التكوين إلي أن سفينة نوح رست فوق جبل أراراط‏,‏ بينما يؤكد القرآن الكريم رسوها علي جبل الجودي وقد اكتشفت بقايا السفينة فعلا فوق هذا الجبل الذي يقع علي مسافة‏175‏ ميلا إلي الجنوب من جبل أراراط‏.‏
ويذكر سفر التكوين أن الطوفان قد علا الأرض كلها بارتفاع‏(15)‏ ذراعا‏,‏ ونتيجة لذلك أبيدت كل صور الحياة من إنسان ووحش وطير ودبابات علي وجه الأرض بالكامل‏,‏ بينما يؤكد القرآن الكريم أن الطوفان كان محدودا بحدود أرض قوم نوح‏,‏ وتؤكد الدراسات العلمية أن أكثر من مليون ونصف المليون نوع من مختلف أنواع الحياة التي لا تزال تعمر الأرض لم تتعرض لهذه الإبادة الجماعية‏.‏
ويذكر هذا السفر القديم أن سفينة نوح كانت تضاء بغير الشمس والقمر لأنهما كانا قد استراحا‏,‏ وهو ما ينفيه العلم تماما‏,‏ كما يذكر أسبابا لهلاك قوم نوح لا يقبلها المنطق السوي‏.‏
ومن هنا لا يمكن للقرآن الكريم الذي وصف طوفان نوح بتفاصيله الدقيقة أن يكون قد استقي هذه الواقعة من أي من تلك الكتب القديمة التي ملئت بالأساطير الموضوعة‏.‏
ومن ملامح الدقة القرآنية وصف الطوفان أنه كان ناجما عن تفجر مكامن المياه الأرضية‏,‏ وعن هطول الأمطار بمعدلات غير عادية‏,‏ وقد وجدت بقايا السفينة مؤخرا مغمورة في رسوبيات للماء العذب علي ارتفاع سبعة آلاف قدم فوق مستوي سطح البحر في قمة جبل الجودي‏.‏
وفي سنة‏1854‏ م بدأت أعمال البحث عن طوفان نوح بالحفر في منطقة مدينة أور في جنوب العراق علي رأس الخليج العربي‏,‏ ثم تجددت في الفترة من‏1920‏ م إلي‏1932‏ م بواسطة بعثة مشتركة بين المتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا الأمريكية تحت قيادة السير تشارلس ليونارد وولي الذي نشر نتائج البحث في سنة‏1934‏ م في مجلدين تحت عنوان أور الكلدانية والمقبرة الملكية (‏Woolley,SirCharlesLeonard(1934):Urofthe Chalidees ,the Royal Cemetery in2vols)
‏ وفي هذا البحث عثرت البعثة علي طبقة من الطين الجاف في تل العبيد شمال مدينة أور يبلغ سمكها‏(3)‏ أقدام تعود إلي العصر الحجري‏,‏ وتحتوي علي أدوات صوانية‏,‏ وأوان فخارية‏,‏ وبقايا من المرو والزجاج البركاني الأسود‏(Obsidian)‏ كذلك تم العثور علي ستة عشر قبرا من القبور الملكية‏,‏ ووجدت بها أدوات وأحجار كريمة‏,‏ وحلي ذهبية‏,‏ وأوان فخارية متقنة الصنع‏,‏ وتحت مستوي هذه القبور وجدت طبقة اختلط فيها مع الغرين العديد من النفايات البشرية‏,‏ وقطع الآجر‏,‏ والرماد البركاني‏,‏ والأواني الفخارية المهشمة‏,‏ وتحت هذه الطبقات زالت فجأة كل آثار للبقايا الإنسية‏,‏ وظهرت طبقة من الغرين لا أثر فيها للإنسان‏,‏ وهذه الطبقة يتراوح سمكها بين‏(8)‏ و‏(11)‏ قدما‏,‏ وقد ترسبت من وسط مائي عذب‏.‏ وقد ترجح لدارسي الموقع أن هذه الطبقة الغرينية الخالية من أية آثار بشرية تمثل طوفان نوح‏,‏ خاصة أنه قد وجد أسفل منها آثار عديدة للقوم الذين كان الطوفان قد أغرقهم‏,‏ ومنها بقايا قراهم المدمرة‏.‏


ومن الفحص المجهري للعينات التي أخذت من طبقة الغرين الخالية من الآثار البشرية اتضح أنها تتكون من مواد جرفتها المياه من نهر الفرات علي هيئة فيضان عظيم يقدر أنه قد بلغ حوالي‏(25)‏ قدما في الارتفاع علي أقل تقدير‏.‏ واستقر رأي السير وولي علي أن هذا الطوفان لم يشمل الأرض كلها كما يذكر العهد القديم‏,‏ ولكنه كان سيلا مغرقا طغي علي المنطقة ما بين النهرين دجلة والفرات‏,‏ وأغرق المنطقة ما بين الجبال المحيطة بهما شرقا وغربا‏.‏
وفي أربعة مواقع ـ علي الأقل ـ في منطقة ما بين النهرين وجدت رسوبيات مشابهة لتتابعات منطقة أور‏,‏ كما وجدت هذه التتابعات في أحد كهوف شمال العراق ويعرف باسم كهف شانيدار العظيم‏(TheGreatShanidarCave).‏
وتتكون هذه التتابعات من رسوبيات للمياه العذبة يقدر عمرها بحوالي مائة ألف سنة مضت‏,‏ وتحوي بقايا إنسية قام بدراستها الدكتور رالف سولسكي‏(dr.RalphSolecki)‏ الآثار تثبت واقعة الإغراق بمياه الطوفان العذبة كما سجل القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ وهذه الإشارة من معجزاته العلمية والتاريخية‏.‏

ثانيا‏:‏ في قوله تعالي‏:‏﴿‏وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً.....﴾
انطلاقا مما جاء في سفر التكوين أن سفينة نوح رست علي جبل أراراط في أقصي الشمال الشرقي من تركيا‏,‏ علي الحدود مع أرمينيا‏,‏ بذل علماء الآثار جهودا مضنية للبحث عن أثر للسفينة علي هذا الجبل دون جدوي حتي أثبتت إحدي البعثات العلمية الروسية في سنة‏2005‏ م استحالة بقاء أي أثر للسفينة علي جبل أراراط نظرا لانفجار بركان فيه في سنة‏(1840‏ م‏)‏ وأن ما ظنه بعض المتوهمين أخشابا من بقايا السفينة لم يكن سوي بقايا نباتية متحجرة بفعل النشاط البركاني بالمنطقة‏,‏ وقبل ذلك بربع قرن فاجأ الدكتور تشارلس ويلليس‏(Dr.Charles Willis)‏ العالم باكتشاف بقايا سفينة نوح مطمورة في رسوبيات للمياه العذبة علي ارتفاع‏(7000)‏ قدم فوق مستوي سطح البحر علي جبل الجودي‏(Mount CudiorJudy Dagh)‏ ويشكل هذا الجبل أعلي قمة في سلسلة جبال جنوب تركيا ويقع علي الحدود التركية مع كل من العراق وسوريا علي بعد‏(175)‏ ميلا إلي الجنوب الغربي من جبل أراراط‏.‏

ثم تأكد هذا الكشف بواسطة إحدي البعثات العلمية الأمريكية التي قادها رون وايت الذي قام بتصوير طبعة السفينة كاملة محفوظة في رسوبيات للمياه العذبة‏,‏ وبجوارها بعض الألواح الخشبية المتحجرة وعدة نقالات‏(Pallets),‏ ومرساة السفينة‏,‏ وبعض المسامير المعدنية‏(‏ الدسر‏)‏ المكونة من سبيكة من عدد من الفلزات‏.‏ وقد أعلنت نتائج هذا الكشف في سنة‏(2005‏ م‏)‏ بعد عمل استمر لقرابة الثلاثين عاما‏.‏
وكما سبق أن أشرنا إلي أن قصة الطوفان هذا جاءت في العديد من مدونات الأمم السابقة سواء ما له علاقة بالمعتقدات أوما له علاقة بالتراث الشعبي وهنا تتضح ومضة كل من الإعجاز الإخباري والتاريخي في قوله ـ تعالي‏:‏ ـ‏﴿‏وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً.....﴾.
ثالثا‏:‏ في قوله تعالي‏:﴿ ....وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً ‏﴾
الواضح من هذا النص القرآني الكريم أن المقصود بالظالمين هم المشركون من قوم نوح‏,‏ وممن تابعهم علي الشرك بالله إلي يوم الدين‏,‏ ولكن النص يحتمل كذلك أن يشمل المكذبين بهذه الواقعة التاريخية الكبيرة‏,‏ وما أكثرهم‏,‏ وما أجرأهم علي الله ورسوله‏!!‏
فعلي الرغم مما أعلن من كشوف إلا أن كثيرا من العلماء المعاصرين لا يزالون ينفون حادثة الطوفان‏,‏ أو محاولين ردها إلي أحداث كونية لا علاقة لها بالعقاب الإلهي للعاصين من العباد‏,‏ ومن هؤلاء المكابرين اثنان من علماء البحار الأمريكيين هما‏:‏ وليام ريان‏,‏ وزميله والتربتمان اللذان اندفعا إلي نفي واقعة الطوفان بالكامل وردها إلي حدث من الأحداث الأرضية المتكررة وذلك في كتاب لهما بالعنوان التالي‏:William Ryan)&Walter Pilman 1998):‏


(Noah'‏S Flood: the new Scientific Discoveries About The Event That changed History)(Simon& Schuster ,newyork,n.y)

وقد حاول هذان العالمان نفي قصة طوفان نوح من أساسها انطلاقا من دراسة قاما بها حول البحر الأسود أثبتا فيها أن فيضانا حدث من قبل‏(7600)‏ سنة بسبب التغيرات المناخية السريعة التي أدت إلي انخفاض منسوب المياه في البحر الأبيض المتوسط حتي جف بالكامل وتحول قاعه إلي صحراء جرداء‏,‏ ثم ارتفع منسوب المياه في البحار والمحيطات فجأة فاندفعت من المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق لتملأ حوض البحر الأبيض المتوسط بالماء من جديد‏,‏ وكان ذلك قبل‏5‏ ملايين من السنين‏.‏ ومنذ‏(7600)‏ سنة تكرر ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات ومنها البحر المتوسط الذي وصل منسوب الماء فيه إلي مستوي وادي البوسفور فاندفع منه الماء المالح بتدفق شديد ليغمر موقع البحر الأسود‏,‏ وكان بحيرة عذبة الماء‏,‏ محاطة بالمروج والمزارع الخضراء العامرة بالسكان فدمر الطوفان كل ما اعترض طريقه من منشآت وأحياء‏,‏ فمات ما مات وهلك من هلك‏,‏ وهاجر من نجا من هذه الكارثة‏,‏ وتصحرت المنطقة بالكامل‏.‏

وهذه الدورات المناخية تختلف اختلافا كاملا عن المعجزات الإلهية التي تتم بأمر من الله ـ تعالي بـ‏(‏ كن فتكون‏).‏ إلا أن هذه الرؤية القاصرة عند هذين الكاتبين قد أكدتها المبالغة في المادية المفرطة‏,‏ كما أن عددا من الألواح الصلصالية كانت قد اكتشفت في خربة نينوي من قبل أكثر من قرن من الزمان تحمل أخبارا مكتوبة عن فيضانات مشابهة أقدم من هذا الفيضان المذكور بكثير من الزمن‏.‏
وتبقي رواية القرآن الكريم عن طوفان نوح هي أدق الروايات وأحكمها بيانا‏,‏ ونظما‏,‏ وهداية‏,‏ وتربية‏,‏ وعلما‏,‏ فالحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام سيدنا محمد بن عبد الله ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه‏,‏ ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 

المشاركات الشائعة

أكثر المواضيع زيارة دوماً

أكثر المواضيع زيارة خلال شهر