﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ ( الفرقان:37)
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر النصف الأول من سورة الفرقان, وهي سورة مكية, وآياتها(37) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم ـ وهو من أسماء القرآن الكريم ـ لكون القرآن فارقا بين الحق والباطل, وهذه السورة المباركة جزء منه, وهي بذلك فارقة بين الحق والباطل.ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية ـ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية. وتبدأ بتمجيد الله ـ تعالي ـ خالق كل شيء, الذي أنزل القرآن الكريم علي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وجعل هذا الكتاب الخاتم فارقا بين الحق والباطل, كما جعله نذيرا للعالمين إلي يوم الدين. وتثني الآيات بتنزيه الله ـ تعالي ـ عن الشريك, والشبيه, والمنازع, والصاحبة, والولد, وعن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لايليق بجلاله, وفي ذلك تقول:
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً*الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ (الفرقان:1-2)
ثم تنعي الآيات علي الكفار والمشركين شركهم بالله الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ, كما تنعي عليهم إنكار الخلق, والتطاول علي القرآن الكريم, وعلي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ وتدفع الآيات دعاواهم الباطلة فتقول:
﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَراًّ وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً*وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً*وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً*قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ ( الفرقان:3 ـ6)
كذلك تنعي الآيات علي كل من الكفار والمشركين اعتراضهم علي بشرية خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم, وتطاولهم علي شخصه الكريم وإنكارهم للساعة وترد عليهم محذرة ومواسية إياه فتقول:
﴿وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً *أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً *انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً *تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً *بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً *إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً *وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾(الفرقان:7 ـ13)
وفي تبكيت واضح لهؤلاء المكذبين بالدين وإنذار صريح من سوء مصيرهم في الآخرة تقول لهم الآيات:
﴿لاَ تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً *قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخُلْدِ الَتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً *لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً *وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ *قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً *فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً ﴾
( الفرقان:14 ـ19)
وتعاود الآيات في سورة الفرقان توجيه الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ مؤكدة بشرية رسل الله وأنبيائه جميعا, ومستنكرة طلب الكفار وصول الرسالة السماوية إليهم من الملائكة مباشرة, أو طلب رؤية الله ـ تعالي ـ جهرة حتي يؤمنوا به, مؤكدة أن جزاء هذا التطاول هو الخلود في نار جهنم, بينما المؤمنون في جنات الخلد ينعمون وفي ذلك تقول:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً *وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُواًّ كَبِيراً *يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً *وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً *أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَراًّ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً *وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنزِيلاً *المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكَافِرِينَ عَسِيراً ﴾( الفرقان:20 ـ26)
ثم تنتقل الآيات إلي استعراض عدد من مشاهد يوم القيامة, وفيه يندم الظالمون علي معصية الله ورسوله ندما شديدا, ساعة لاينفع الندم ولاتفيد العبرات, وفيه يشكو رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ هاجري القرآن الكريم من قومه وأتباعه إلي الله ـ سبحانه وتعالي ـ كما تؤكد الآيات أن كل نبي من أنبياء الله كان له أعداء من المجرمين الذين يكفرون به, ويرفضون دعوته, مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ هو الهادي والنصير, ومستنكرة اعتراض الكفار والمشركين علي نزول القرآن الكريم مفرقا, ومبينة الحكمة من ذلك, ومؤكدة لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن هؤلاء الضالين المكذبين بالدين لا يأتونه باعتراض من اعتراضاتهم الواهيه إلا جاءه ربه بالحق يدفع باطلهم, ويرد علي حججهم, ونفندها تفنيدا وفي ذلك تقول الآيات:
﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً*يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً *لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً *وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً *وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ مِّنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً *وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً *وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾ ( الفرقان:27 ـ33)
ومن قبيل التخفيف عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في مواجهة كفر الكافرين, وشرك المشركين المكذبين بالدين الحق, أشارت الآيات إلي عدد من أنبياء الله ـ تعالي ـ وإلي تفاعل أقوامهم معهم سلبا وإيجابا وإلي جزاء كل منهم علي موقفه, ومنهم أقوام كل من أنبياء الله موسي وهارون, ونوح, وهود, وصالح, وشعيب, ولوط, وأقوام غيرهم من أنبياء الله الذين أهلكهم الله بذنوبهم ودمر ديارهم تدميرا فتقول:
﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وَجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً *وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً *فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً *وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً *وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً *وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً ﴾( الفرقان:34 ـ39)
وتعاود الآيات بتوجيه الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ للمرة الثالثة مستنكرة مرور كفار قريش علي قري قوم لوط في أسفارهم إلي بلاد الشام دون اعتبار بما أصاب تلك القري من دمار جزاء كفرهم وإفسادهم في الأرض, ومواسية رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي تطاول السفهاء من الناس علي مقامه الكريم, في القديم والحديث, مهددة إياهم, ومتوعدة لهم فتقول:
﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القَرْيَةِ الَتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً*وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً *إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً *أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً *أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ (الفرقان:40 ـ44)
وتستمر الآيات من(45) إلي(49) في استعراض عدد من آيات الله في الخلق إثباتا لحقيقة الألوهية, والربوبية, والوحدانية المطلقة للخالق العظيم. ثم تعاود التأكيد علي فضل القرآن الكريم, موجهة الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ليجاهد به الكفار فتقول:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً*ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً *وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً*وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً *لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً *وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً *وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً *فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ ( الفرقان:45 ـ52).
وفي الآيتين(53),(54) تعاود السورة الكريمة استعراض عدد آخر من آيات الله في الخلق, ثم تكرر استنكار شرك المشركين وكفر الكافرين واستكبارهم علي السجود لله رب العالمين, موجهة الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فتقول:
﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً *وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً *وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً *وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً *قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً *وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً *الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيراً *وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً﴾(الفرقان:53 ـ60).
وتنتقل الآيات من(61) إلي(77) لتفصل صفات عباد الرحمن وتؤكد تعظيم جزائهم من الله
ـ تعالي ـ فتقول:
﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً*وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً*وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً *وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً *وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً *إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً*وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً *وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً *إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً *وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً *وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً *وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُماًّ وَعُمْيَاناً*وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً *أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً *خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً *قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾ (لفرقان:61 ـ77)
وختام هذه السورة الكريمة نداء إلي الناس جميعا علي لسان خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ مؤكدا هوان البشر علي الله ـ سبحانه وتعالي ـ لولا القلة المؤمنة التي تتوجه بالدعاء إليه, أما المكذبون الضالون من الكفار والمشركين فالعذاب حتم محتوم عليهم لامهرب لهم منه ولا فكاك.
من ركائز العقيدة في سورة الفرقان
1ـ اليقين بوحدانية الله ـ تعالي ـ الذي له ملك السماوات والأرض, والذي يعلم السر والجهر, وتنزيهه ـ سبحانه وتعالي ـ عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لايليق بجلاله, ومن ذلك ادعاء الشريك, أو الشبيه, أو المنازع, أو الصاحبة والولد وهو ـ تعالي ـ خالق كل شيء, ومقدره تقديرا والخالق لابد أن يكون مغايرا لصفات خلقه, ومن صفاته ـ تعالي ـ أنه هو الغفور الرحيم, البصير, الهادي, النصير, وأن الإنسان طالما هو محبوس في قوالب الطين الأرضي لايمكنه رؤية الله سبحانه وتعالي.
2ـ التصديق بالآخرة وأهوالها, وبكل ما أورد القرآن الكريم من أحداثها, وبكل من الجنة ونعيمها, والنار وجحيمها.
3ـ التسليم بأن الشيطان للإنسان عدو مبين.
4ـ الإيمان بأنبياء الله جميعا, وبما أرسلوا به, وبما أورده القرآن الكريم من قصصهم.
من التوجيهات التعبدية في سورة الفرقان
1 ـ الأمر بعبادة الله ـ تعالي ـ بما أنزل والنصح بقيام الليل وبتدبر القرآن الكريم.
2ـ الابتعاد عن الكبائر التي حرمها الله ـ تعالي ـ والاستغفار المتصل عن الصغائر التي يمكن أن يقع فيها الإنسان ومنها اللغو, وضرورة المسارعة بالتوبة عنها.
3ـ الحرص علي الأعمال الصالحة, وبالتوسط في كل شيء وبالتواضع والتسامح والزهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق