Ads 468x60px

.

الجمعة، 3 أغسطس 2012

من أسرار القران . للدكتور / زغلول النجار


﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً ‏( الفرقان‏:37)



هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر النصف الأول من سورة الفرقان‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها‏(37)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم ـ وهو من أسماء القرآن الكريم ـ لكون القرآن فارقا بين الحق والباطل‏,‏ وهذه السورة المباركة جزء منه‏,‏ وهي بذلك فارقة بين الحق والباطل‏.‏ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية ـ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏.‏ وتبدأ بتمجيد الله ـ تعالي ـ خالق كل شيء‏,‏ الذي أنزل القرآن الكريم علي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وجعل هذا الكتاب الخاتم فارقا بين الحق والباطل‏,‏ كما جعله نذيرا للعالمين إلي يوم الدين‏.‏ وتثني الآيات بتنزيه الله ـ تعالي ـ عن الشريك‏,‏ والشبيه‏,‏ والمنازع‏,‏ والصاحبة‏,‏ والولد‏,‏ وعن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ وفي ذلك تقول‏:‏
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً*الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً(‏الفرقان‏:1‏-‏2)‏
ثم تنعي الآيات علي الكفار والمشركين شركهم بالله الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ‏,‏ كما تنعي عليهم إنكار الخلق‏,‏ والتطاول علي القرآن الكريم‏,‏ وعلي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ وتدفع الآيات دعاواهم الباطلة فتقول‏:‏
﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَراًّ وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً*وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً*وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً*قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً(‏ الفرقان‏:3‏ ـ‏6)‏
كذلك تنعي الآيات علي كل من الكفار والمشركين اعتراضهم علي بشرية خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم‏,‏ وتطاولهم علي شخصه الكريم وإنكارهم للساعة وترد عليهم محذرة ومواسية إياه فتقول‏:‏
﴿وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً *أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً *انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً *تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً *بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً *إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً *وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾‏(‏الفرقان‏:7‏ ـ‏13)‏
وفي تبكيت واضح لهؤلاء المكذبين بالدين وإنذار صريح من سوء مصيرهم في الآخرة تقول لهم الآيات‏:‏
﴿لاَ تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً *قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخُلْدِ الَتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً *لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً *وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ *قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً *فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً
(‏ الفرقان‏:14‏ ـ‏19)‏
وتعاود الآيات في سورة الفرقان توجيه الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ مؤكدة بشرية رسل الله وأنبيائه جميعا‏,‏ ومستنكرة طلب الكفار وصول الرسالة السماوية إليهم من الملائكة مباشرة‏,‏ أو طلب رؤية الله ـ تعالي ـ جهرة حتي يؤمنوا به‏,‏ مؤكدة أن جزاء هذا التطاول هو الخلود في نار جهنم‏,‏ بينما المؤمنون في جنات الخلد ينعمون وفي ذلك تقول‏:‏
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً *وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُواًّ كَبِيراً *يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً *وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً *أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَراًّ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً *وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنزِيلاً *المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكَافِرِينَ عَسِيراً ﴾‏(‏ الفرقان‏:20‏ ـ‏26)‏
ثم تنتقل الآيات إلي استعراض عدد من مشاهد يوم القيامة‏,‏ وفيه يندم الظالمون علي معصية الله ورسوله ندما شديدا‏,‏ ساعة لاينفع الندم ولاتفيد العبرات‏,‏ وفيه يشكو رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ هاجري القرآن الكريم من قومه وأتباعه إلي الله ـ سبحانه وتعالي ـ كما تؤكد الآيات أن كل نبي من أنبياء الله كان له أعداء من المجرمين الذين يكفرون به‏,‏ ويرفضون دعوته‏,‏ مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ هو الهادي والنصير‏,‏ ومستنكرة اعتراض الكفار والمشركين علي نزول القرآن الكريم مفرقا‏,‏ ومبينة الحكمة من ذلك‏,‏ ومؤكدة لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن هؤلاء الضالين المكذبين بالدين لا يأتونه باعتراض من اعتراضاتهم الواهيه إلا جاءه ربه بالحق يدفع باطلهم‏,‏ ويرد علي حججهم‏,‏ ونفندها تفنيدا وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً*يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً *لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً *وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً *وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ مِّنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً *وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً *وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (‏ الفرقان‏:27‏ ـ‏33)‏
ومن قبيل التخفيف عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في مواجهة كفر الكافرين‏,‏ وشرك المشركين المكذبين بالدين الحق‏,‏ أشارت الآيات إلي عدد من أنبياء الله ـ تعالي ـ وإلي تفاعل أقوامهم معهم سلبا وإيجابا وإلي جزاء كل منهم علي موقفه‏,‏ ومنهم أقوام كل من أنبياء الله موسي وهارون‏,‏ ونوح‏,‏ وهود‏,‏ وصالح‏,‏ وشعيب‏,‏ ولوط‏,‏ وأقوام غيرهم من أنبياء الله الذين أهلكهم الله بذنوبهم ودمر ديارهم تدميرا فتقول‏:‏
﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وَجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً *وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً *فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً *وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً *وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً *وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً (‏ الفرقان‏:34‏ ـ‏39)‏
وتعاود الآيات بتوجيه الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ للمرة الثالثة مستنكرة مرور كفار قريش علي قري قوم لوط في أسفارهم إلي بلاد الشام دون اعتبار بما أصاب تلك القري من دمار جزاء كفرهم وإفسادهم في الأرض‏,‏ ومواسية رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي تطاول السفهاء من الناس علي مقامه الكريم‏,‏ في القديم والحديث‏,‏ مهددة إياهم‏,‏ ومتوعدة لهم فتقول‏:‏
﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القَرْيَةِ الَتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً*وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً *إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً *أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً *أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً(‏الفرقان‏:40‏ ـ‏44)‏
وتستمر الآيات من‏(45)‏ إلي‏(49)‏ في استعراض عدد من آيات الله في الخلق إثباتا لحقيقة الألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية المطلقة للخالق العظيم‏.‏ ثم تعاود التأكيد علي فضل القرآن الكريم‏,‏ موجهة الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ليجاهد به الكفار فتقول‏:‏
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً*ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً *وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً*وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً *لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً *وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً *وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً *فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (‏ الفرقان‏:45‏ ـ‏52).‏
وفي الآيتين‏(53),(54)‏ تعاود السورة الكريمة استعراض عدد آخر من آيات الله في الخلق‏,‏ ثم تكرر استنكار شرك المشركين وكفر الكافرين واستكبارهم علي السجود لله رب العالمين‏,‏ موجهة الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فتقول‏:‏
﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً *وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً *وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً *وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً *قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً *وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً *الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيراً *وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً(‏الفرقان‏:53‏ ـ‏60).‏
وتنتقل الآيات من‏(61)‏ إلي‏(77)‏ لتفصل صفات عباد الرحمن وتؤكد تعظيم جزائهم من الله
ـ تعالي ـ فتقول‏:‏
﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً*وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً*وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً *وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً *وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً *إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً*وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً *وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً *إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً *وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً *وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً *وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُماًّ وَعُمْيَاناً*وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً *أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً *خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً *قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً(لفرقان‏:61‏ ـ‏77)‏
وختام هذه السورة الكريمة نداء إلي الناس جميعا علي لسان خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ مؤكدا هوان البشر علي الله ـ سبحانه وتعالي ـ لولا القلة المؤمنة التي تتوجه بالدعاء إليه‏,‏ أما المكذبون الضالون من الكفار والمشركين فالعذاب حتم محتوم عليهم لامهرب لهم منه ولا فكاك‏.‏




من ركائز العقيدة في سورة الفرقان
‏1‏ـ اليقين بوحدانية الله ـ تعالي ـ الذي له ملك السماوات والأرض‏,‏ والذي يعلم السر والجهر‏,‏ وتنزيهه ـ سبحانه وتعالي ـ عن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ ومن ذلك ادعاء الشريك‏,‏ أو الشبيه‏,‏ أو المنازع‏,‏ أو الصاحبة والولد وهو ـ تعالي ـ خالق كل شيء‏,‏ ومقدره تقديرا والخالق لابد أن يكون مغايرا لصفات خلقه‏,‏ ومن صفاته ـ تعالي ـ أنه هو الغفور الرحيم‏,‏ البصير‏,‏ الهادي‏,‏ النصير‏,‏ وأن الإنسان طالما هو محبوس في قوالب الطين الأرضي لايمكنه رؤية الله سبحانه وتعالي‏.‏
‏2‏ـ التصديق بالآخرة وأهوالها‏,‏ وبكل ما أورد القرآن الكريم من أحداثها‏,‏ وبكل من الجنة ونعيمها‏,‏ والنار وجحيمها.
‏3‏ـ التسليم بأن الشيطان للإنسان عدو مبين‏.‏
‏4‏ـ الإيمان بأنبياء الله جميعا‏,‏ وبما أرسلوا به‏,‏ وبما أورده القرآن الكريم من قصصهم.

من التوجيهات التعبدية في سورة الفرقان
‏1‏ ـ الأمر بعبادة الله ـ تعالي ـ بما أنزل والنصح بقيام الليل وبتدبر القرآن الكريم.
‏2‏ـ الابتعاد عن الكبائر التي حرمها الله ـ تعالي ـ والاستغفار المتصل عن الصغائر التي يمكن أن يقع فيها الإنسان ومنها اللغو‏,‏ وضرورة المسارعة بالتوبة عنها‏.‏
‏3‏ـ الحرص علي الأعمال الصالحة‏,‏ وبالتوسط في كل شيء وبالتواضع والتسامح والزهد‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 

المشاركات الشائعة

أكثر المواضيع زيارة دوماً

أكثر المواضيع زيارة خلال شهر