Ads 468x60px

.

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

من أسرار القران . للدكتور / زغلول النجار



﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ (العصر1-3)
 





سورة العصر مكية‏,‏ وهي من قصار سور القرآن الكريم لاحتوائها علي ثلاث آيات فقط بعد البسملة‏,‏ وعلي الرغم من قصرها فهي تحوي المعالم الأساسية لرسالة الإنسان في هذه الحياة كما حددها له الله ـ تعالي ـ فالإنسان عبد لله‏,‏ خلقه ربنا ـ تبارك وتعالي ـ لرسالة محددة ذات وجهين‏:‏ أولهما عبادة الله ـ تعالي ـ بما أمر‏,‏ وثانيهما حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة شرع الله فيها‏,‏ ولايمكنه تحقيق ذلك بمفرده إذ هو محتاج إلي التواصي علي ذلك مع غيره من الناس‏:‏ في بيته‏,‏ وفي مجتمعه‏,‏ وفي بلده‏,‏ ومع أهل الأرض أجمعين‏,‏ والتواصي بالصبر علي ذلك لأن دعوة الناس إلي الحق تحتاج كثيرا من المجاهدة والصبر وهذا كله يأتي انطلاقا من الإيمان بإله واحد‏,‏ هو خالق كل شيء‏,‏ وهو بذلك منزه عن الشريك‏,‏ والشبيه‏,‏ والمنازع‏,‏ والصاحبة‏,‏ والولد‏,‏ وعن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لايليق بجلاله‏.‏
وانطلاقا من الإيمان بالإله الواحد الأحد‏,‏ الفرد الصمد‏,‏ الذي لم يلد‏,‏ ولم يولد‏,‏ ولم يكن له كفوا أحد‏,‏ نصل إلي الإيمان بوحدة رسالة السماء‏,‏ وبالأخوة بين الأنبياء‏,‏ وبوحدة الجنس البشري كله‏,‏ الذي يعود أصله إلي أب واحد‏,‏ وأم واحدة‏,‏ هما أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام‏.‏
وعلي امتداد وجود الإنسان علي الأرض كانت هذه هي حقيقة رسالته‏,‏ إن فهمها‏,‏ والتزم بتطبيقها حقق سعادته في الدنيا والآخرة‏,‏ وإن فهم جزءا منها وأغفل الباقي‏,‏ أو أغفلها كلها خسر الدنيا والآخرة‏,‏ وإن حقق في حياته الدنيوية من النجاحات المادية ماحقق‏,‏ وهذا هو الخسران المبين‏.‏
وسوف أتناول في هذا المقال شرح سورة العصر‏,‏ وأؤجل ومضة الإعجاز العلمي فيها إلي المقال القادم إن شاء الله‏.‏ وقبل شرحي لهذه السورة الكريمة أري ضرورة الاستئناس بأقوال عدد من المفسرين القدامى والمعاصرين‏.‏
من أقوال المفسرين في تفسير سورة العصر‏:‏‏-
*‏ ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ ما مختصره‏:‏ العصر‏:‏ الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر‏,‏ وقال زيد بن أسلم‏:‏ هو العصر‏,‏ والمشهور الأول‏,‏ فأقسم تعالي بذلك علي أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك‏(‏ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات‏)‏ فاستثني من جنس الإنسان عن الخسران‏:‏ الذين آمنوا بقلوبهم‏,‏ وعملوا الصالحات بجوارحهم‏(‏ وتواصوا بالحق‏)‏ وهو أداء الطاعات‏,‏ وترك المحرمات‏, ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ أي علي المصائب والأقدار‏,‏ وآذي من يؤذي‏,‏ ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر‏.‏
‏*‏ وذكر صاحبا الجلالين ـ رحمهما الله ـ ما نصه‏:﴿وَالْعَصْرِ﴾ الدهر‏,‏ أو‏:‏ ما بعد الزوال إلي الغروب‏,‏ أو‏:‏ صلاة العصر﴿ إِنَّ الإِنسَانَ ﴾الجنس ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ في تجارته‏(‏ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات‏)‏ فليسوا في خسران﴿وَتَوَاصَوْا﴾ أوصي بعضهم بعضا‏(‏ بالحق‏)‏ الإيمان ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾علي الطاعة وعن المعصية‏.‏
وجاء بالهامش تعليق للشيخ محمد أحمد كنعان قال فيه‏:‏ قوله‏:(‏ في تجارته‏)‏ لقد أبعد الجلال المحلي في تفسيره هذا‏,‏ والأولي أن يقال‏:‏ إن الإنسان خاسر وهالك إلا إذا آمن وعمل صالحا‏..‏ الخ أي‏:‏ لا تنفعه الدنيا وما عليها إذا لم يكن مؤمنا صالحا‏.‏
‏*‏ وجاء في الظلال ـ رحم الله كاتبه برحمته الواسعة جزاء ما قدم ـ كلام رائع أختصره في النقاط التالية‏:‏ فما الإيمان؟؟‏..‏ إنه اتصال هذا الكائن الإنساني الفاني الصغير المحدود بالأصل المطلق الأزلي الباقي الذي صدر عنه الوجود‏,‏ ومن ثم اتصاله بالكون الصادر عن ذات المصدر‏,‏ وبالنواميس التي تحكم هذا الكون‏,‏ وبالقوي والطاقات المزخورة فيه‏..‏ والانطلاق حينئذ من حدود ذاته الصغيرة إلي رحابة الكون الكبير‏.‏ ومن حدود قوته الهزيلة إلي عظمة الطاقات الكونية المجهولة‏.‏ ومن حدود عمره القصير إلي امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله‏..‏ ثم إن مقومات الإيمان هي بذاتها مقومات الإنسانية الرفيعة الكريمة‏:‏ التعبد لإله واحد‏,‏ والربانية التي تحدد الجهة التي يتلقي منها الإنسان تصوراته وقيمه‏,‏ وموازينه واعتباراته وشرائعه وقوانينه‏,‏ وكل مايربطه بالله أو بالوجود أو بالناس‏..‏ ووضوح الصلة بين الخالق والمخلوق‏...,‏ والاستقامة علي المنهج الذي يريده الله‏..‏ والاعتقاد بكرامة الإنسان علي الله‏...‏ والحاسة الأخلاقية ثمرة طبيعية وحتمية للإيمان بإله عادل رحيم‏,‏ عفو كريم‏,‏ ودود حليم‏...‏ وهناك التبعة المترتبة علي حرية الإرادة وشمول الرقابة‏


...‏ والارتفاع عن التكالب علي أعراض الحياة الدنيا‏...‏ إن الإيمان هو أصل الحياة الكبيرة‏,‏ الذي ينبثق منه كل فرع من فروع الخير‏..‏ ومن ثم يهدر القرآن قيمة كل عمل لا يرجع إلي هذا الأصل‏..‏ إن الإيمان دليل علي صحة الفطرة وسلامة التكوين الإنساني‏..‏ والعمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان‏...‏ أما التواصي بالحق والتواصي بالصبر فتبرز من خلاله صورة الأمة الإسلامية‏...‏ والتواصي بالحق ضرورة‏..‏ والتواصي بالصبر كذلك ضرورة‏...‏ والتواصي بالصبر يضاعف المقدرة‏...‏
وبعد استشهاد طويل من كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للأستاذ أبوالحسن الندوي‏,‏ ختم صاحب الظلال كلامه عن سورة العصر بقوله‏:‏ وهذه السورة حاسمة في تحديد الطريق‏..‏ إنه الخُسر‏..﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾.. طريق واحد لا يتعدد‏.‏ طريق الإيمان والعمل الصالح وقيام الجماعة الإسلامية التي تتواصي بالحق وتتواصي بالصبر‏,‏ وتقوم متضامنة علي حراسة الحق مزودة بزاد الصبر‏..‏ إنه طريق واحد‏..‏ ومن ثم كان الرجلان من أصحاب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما علي الآخر سورة‏(‏ العصر‏)‏ ثم يسلم أحدهما علي الآخر‏..‏ لقد كانا يتعاهدان علي هذا الدستور الإلهي‏,‏ يتعاهدان علي الإيمان والصلاح‏,‏ ويتعاهدان علي التواصي بالحق والتواصي بالصبر‏.‏ ويتعاهدان علي أنهما حارسان لهذا الدستور‏,‏ ويتعاهدان علي أنهما من هذه الأمة القائمة علي هذا الدستور‏..‏
‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ـ رحم الله كاتبه ـ ما نصه‏:(‏ والعصر‏)‏ أقسم الله بصلاة العصر لفضلها‏,‏ لأنها الصلاة الوسطي عند الجمهور‏.‏ أو بوقتها‏,‏ لفضيلة صلاته‏,‏ كما أقسم بالضحي‏,‏ أو بعصر النبوة لأفضليته بالنسبة لما سبقه من العصور أو بالزمان كله‏,‏ لما يقع فيه من الأقدار الدالة علي عظيم القدرة الباهرة‏.‏ وجواب القسم‏:(‏ إن الإنسان لفي خسر‏)‏ أي إن جنس الإنسان لا ينفك عن خسران ونقصان في مساعيه وأعماله وعمره‏.‏ أي إن الكافر لفي خسر‏.‏ أي هلكة أو شر أو نقص‏﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ استثناء متصل إذا أريد بالإنسان الجنس‏..‏ ومنقطع إذا أريد به خصوص الكافر‏.‏ والأعمال الصالحات تشمل جميع ما يعمله الإنسان مما فيه خير ونفع وبر‏.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ أوصي بعضهم بعضا بالتمسك بالحق‏,‏ ومنه الثبات علي الإيمان بالله وكتبه ورسله‏,‏ والعمل بشريعته في كل عقد وعمل‏,‏ وذلك هو الأمر الثابت الذي لا سبيل إلي إنكاره‏,‏ ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره‏.(‏ وتواصوا بالصبر‏)‏ أي أوصي بعضهم بعضا بالصبر عن المعاصي‏,‏ التي تميل إليها النفوس بالطبيعة البشرية‏.‏ والصبر علي الطاعات التي يشق علي النفوس أداؤها‏,‏ ومنها الجهاد
في سبيله ـ وعلي البلايا والمصائب التي تصيب الناس في الدنيا‏,‏ ويصعب علي النفوس احتمالها‏,‏ والله أعلم‏.‏
‏*‏ وذكر أصحاب المنتخب ـ جزآهم الله خيرا ـ ما نصه‏:‏ في هذه السورة أقسم الله ـ سبحانه ـ بالزمان لانطوائه علي العجائب‏,‏ والعبر الدالة علي قدرة الله وحكمته‏,‏ علي أن الإنسان لا ينفك عن نقصان في أعماله وأحواله إلا المؤمنين الذين عملوا الصالحات وأوصي بعضهم بعضا بالتمسك بالحق‏,‏ وهو الخير كله‏,‏ وتواصوا بالصبر علي ما أمروا به وما نهوا عنه‏.‏
‏*‏ وجاء في صفوة التفاسير ـ جزي الله كاتبها خيرا ما نصه‏:‏ سورة العصر مكية‏,‏ وقد جاءت في غاية الإيجاز والبيان‏,‏ لتوضيح سبب سعادة الإنسان أو شقاوته‏,‏ ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره‏.‏ أقسم ـ تعالي ـ بالعصر وهو الزمان الذي ينتهي فيه عمر الإنسان‏,‏ وما فيه من أصناف العجائب‏,‏ والعبر الدالة علي قدرة الله وحكمته‏,‏ علي أن جنس الإنسان في خسارة ونقصان‏,‏ إلا من اتصف بالأوصاف الأربعة وهي‏(‏ الإيمان‏)‏ و‏(‏ العمل الصالح‏)‏ و‏(‏ التواصي بالحق‏)‏ و‏(‏ الاعتصام بالصبر‏)‏ وهي أسس الفضيلة‏,‏ وأساس الدين‏,‏ ولهذا قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ‏:‏ لو لم ينزل الله سوي هذه السورة لكفت الناس‏.‏
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾أي أقسم بالدهر والزمان لما فيه من أصناف الغرائب والعجائب‏,‏ والعبر والعظات‏,‏ علي أن الإنسان في خسران‏,‏ لأنه يفضل العاجلة علي الآجلة‏,‏ وتغلب عليه الأهواء والشهوات‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ العصر هو الدهر أقسم تعالي به لاشتماله علي أصناف العجائب‏,‏ وقال قتادة‏:‏ العصر هو آخر ساعات النهار‏,‏ أقسم به كما أقسم بالضحى لما فيهما من دلائل القدرة الباهرة‏,‏ والعظة البالغة‏..‏ وإنما أقسم الله تعالي بالزمان لأنه رأس عمر الإنسان‏,‏ فكل لحظة تمضي فإنها من عمرك ونقص من أجلك‏..‏ قال القرطبي‏:‏ أقسم الله عز وجل بالعصر ـ وهو الدهر ـ لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها‏,‏ وما بها من الدلالة علي الصانع‏,‏ وقيل‏:‏ هو قسم بصلاة العصر لأنها أفضل الصلوات‏﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي جمعوا بين الإيمان وصالح الأعمال‏,‏ فهؤلاء هم الفائزون لأنهم باعوا الخسيس بالنفيس‏,‏ واستبدلوا الباقيات الصالحات عوضا عن الشهوات العاجلات‏(‏ وتواصوا بالحق‏)‏ أي أوصي بعضهم بعضا بالحق‏,‏ وهو الخير كله‏,‏ من الإيمان‏,‏ والتصديق‏,‏ وعبادة الرحمن ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾..علي الشدائد والمصائب‏,‏ وعلي فعل الطاعات‏,‏
وترك المحرمات‏..‏ حكم تعالي بالخسارة علي جميع الناس إلا من أتي بهذه الأشياء الأربعة وهي‏:‏ الإيمان‏,‏ والعمل الصالح‏,‏ والتواصي بالحق‏,‏ والتواصي بالصبر‏,‏ فإن نجاة الإنسان لا تكون إلا إذا كمل الإنسان نفسه بالإيمان والعمل الصالح‏,‏ وكمل غيره بالنصح والإرشاد‏,‏ فيكون قد جمع بين حق الله‏,‏ وحق العباد‏,‏ وهذا هو السر في تخصيص هذه الأمور الأربعة‏.‏
من ركائز العقيدة في سورة العصر:-
‏1ـ الإيمان بالله‏,‏ وملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ واليوم الآخر‏,‏ وتنزيه الله ـ تعالي ـ عن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏.‏
‏2‏ـ الالتزام بالصالحات من الأعمال‏.‏
‏3‏ـ التواصي بالحق‏.‏
‏4‏ـ التواصي بالصبر‏.‏
‏5‏ـ اليقين بأن الذين يلتزمون بهذه الضوابط الإيمانية ـ علي قلتهم ـ هم الناجون في الدنيا والآخرة‏,‏ وأن الذين لا يلتزمون ـ وهم الأكثرية الغالبة ـ سيخسرون الدنيا والآخرة‏,‏ وذلك هو الخسران المبين‏.‏


من الإشارات الكونية في سورة العصر:-
‏1‏ـ القسم بالعصر وهو قسم يشمل الزمن كله‏,‏ كما يشمل وقت العصر أي الفترة الزمنية ما بعد الزوال إلي الغروب‏,‏ أو صلاة العصر لفضلها‏.‏
‏2‏ـ الإشارة إلي ضلال أغلب الناس‏,‏ واستثناء القلة الصالحة من الذين آمنوا وعملوا الصالحات والتاريخ والواقع يؤكدان ذلك‏.‏
‏3‏ـ التأكيد أن الإنسان مخلوق اجتماعي بالفطرة‏,‏ وهو ما أكدته جميع الدراسات المكتسبة‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 

المشاركات الشائعة

أكثر المواضيع زيارة دوماً

أكثر المواضيع زيارة خلال شهر