بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام, والاستئذان, وتشميت العاطس:
ثبت في الصحيحين:
((أن رَجُلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال: ' تُطعِمُ الطعامَ ، وتَقْرَأُ السلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تَعرِف))
ولما خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام قال له:
((خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عليه السلام ، وَطُولُهُ : سِتُّونَ ذِرَاعا ، ثم قال : اذْهَبْ فَسلِّمْ على أُولَئِكَ - نَفَرٍ مِنَ الملائكة - فَاسْتَمعْ ما يُحيُّونَكَ ، فَإنَّها تَحِيَّتُكَ وَتَحيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فقال : السلامُ عليكم ، فقالوا : السلامُ عليكَ ورحمةُ اللهِ ، فَزَادُوهُ : ورَحمةُ اللهِ))
وقد أمر عليه الصلاة والسلام بإفشاء السلام, وقال:
((لن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على ما تحابون عليه ؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : أفشوا السلام بينكم))
أي أحد أسباب المحبة إفشاء السلام. كان أصحاب النبي إذا كانوا يسيرون معاً, وفرقت بينهم شجرة, بعد الشجرة يقول أحدهم لصاحبه: السلام عليكم.
هل هناك أبلغ من ذلك؟ اثنان يمشيان معاً, فرقت بينهما شجرة, بعد أن يلتقيا, يقول أحدهما للآخر: السلام عليكم.
وقال عليه الصلاة والسلام:
((فو الذي نفس محمد بيده! لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنون حتى تحابوا))
وإفشاء السلام أحد أسباب المحبة.فَضَائلُ الْإِنصاف :
ورد في البخاري, قال عمار:
((ثلاث خلال من جمعهن فقد جمع الإيمان .....الإنصاف من نفسك, -أي أنا لا أبالغ, تسع وتسعون بالمئة من الناس لا ينصفون أنفسهم, أي لا يوجد موضوعية؛ الذي يفعله يمدحه, والذي يفعله غيره يذمه, مقياس موضوعي ضعيف, إلا عند المؤمن الراقي-؛ الإنصاف من نفسك, وبذل السلام للعالم, والإنفاق من الإقتار))
قال شارح الحديث -الإمام ابن القيم-:
((وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه, فإن الإنصاف يوجب عليه أداء الحقوق لله تعالى كاملة موفورة
- لن تنصف نفسك إلا إذا أديت ما عليها من حقوق لله عز وجل, وإلا ما أنصفتها, وأداء حقوق الناس كذلك, لن تكون منصفاً لنفسك, إلا إذا أديت حقوق الله عز وجل-, وحقوق الناس ألا يطالبهم بما ليس له, - إن طالبت الناس بما ليس لك لم تنصف نفسك-, ولا يحملهم فوق وسعهم - إن حملت الناس ما لا يطيقون فما أنصفت نفسك, أي جعلتها في موقع ظالم-،إذاً ما أنصفتها؛ أشقيتها, لم تؤد حق الله, جعلتها في موقع مقصر.
الآن: الدرس كله على هذا الحديث؛ أن تنصف الناس من نفسك, أو أن تنصف نفسك بتأدية حقوق الله كاملة, وتأدية حقوق الناس كاملة, وألا تطالبهم بما ليس لك, وألا تحملهم فوق وسعهم, وأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به, من يفعل هذا؟
إذا عنده في البيت زوجة ابن هل يعاملها كابنته تماماً؟, وأن يُعفيهم مما يحب أن يعفوه منه - تحب أن يتساهل الناس؟ معك تساهل معهم، تحب أن يرحموا ابنتك؟ ارحم ابنة الآخرين-, ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها.
شيء كبير جداً أن تقول لإنسان: معك الحق, أنا مخطىء؛ هذا موقف بطولي, هذا الخلق, هذا قلّما تجده عند الناس, اسم الخلق الرجوع إلى الحق.
دائماً الإنسان يميل للدفاع عن نفسه, ويبين صواب نفسه وخطأ غيره, إنسان غير منصف, أخطاؤه يعتم عليها, يتعامى عنها, أخطاء غيره يكبرها؛ ما أنصف الناس, ولا أنصف نفسه, يكيل بمكيالين, يحاسب الآخرين حساباً شديداً, ويتساهل بحساب نفسه تساهلاً كبيراً.
مثلاً: ممكن أن تقيم النكير على من مسّ مكانتك بكلمة, أو بنظرة, ويمكن أن تمس كرامة كل الناس وأنت لا تشعر؛ مسست كرامتهم, فلما مسوا كرامتك بكلمة أقمت القيامة ولم تقعدها, لست منصفاً, وعدل ساعة أفضل عند الله من أن تعبد الله ثمانين عاماً.
الآن: الدرس كله على هذا الحديث؛ أن تنصف الناس من نفسك, أو أن تنصف نفسك بتأدية حقوق الله كاملة, وتأدية حقوق الناس كاملة, وألا تطالبهم بما ليس لك, وألا تحملهم فوق وسعهم, وأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به, من يفعل هذا؟
إذا عنده في البيت زوجة ابن هل يعاملها كابنته تماماً؟, وأن يُعفيهم مما يحب أن يعفوه منه - تحب أن يتساهل الناس؟ معك تساهل معهم، تحب أن يرحموا ابنتك؟ ارحم ابنة الآخرين-, ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها.
شيء كبير جداً أن تقول لإنسان: معك الحق, أنا مخطىء؛ هذا موقف بطولي, هذا الخلق, هذا قلّما تجده عند الناس, اسم الخلق الرجوع إلى الحق.
دائماً الإنسان يميل للدفاع عن نفسه, ويبين صواب نفسه وخطأ غيره, إنسان غير منصف, أخطاؤه يعتم عليها, يتعامى عنها, أخطاء غيره يكبرها؛ ما أنصف الناس, ولا أنصف نفسه, يكيل بمكيالين, يحاسب الآخرين حساباً شديداً, ويتساهل بحساب نفسه تساهلاً كبيراً.
مثلاً: ممكن أن تقيم النكير على من مسّ مكانتك بكلمة, أو بنظرة, ويمكن أن تمس كرامة كل الناس وأنت لا تشعر؛ مسست كرامتهم, فلما مسوا كرامتك بكلمة أقمت القيامة ولم تقعدها, لست منصفاً, وعدل ساعة أفضل عند الله من أن تعبد الله ثمانين عاماً.
إنصاف الناس بطولة كبيرة جداً :
وأحياناً العدل في الحكم على الأشخاص، هل عندك إمكان أن تنصف عدوك؟التقى النبي بصهره في معركة بدر أسيراً جاء ليقاتله, جاء ليقتله, قال: "والله ما ذممناه صهراً".
عندك الجرأة أن تنصف عدوك من نفسك؟.
قال: ويدخل في هذا إنصاف نفسه من نفسه, فلا يدعي لها ما ليس لها, - لا تجعل نفسك محور العالم؛ تضخمها, تمنحها صفات ليست فيها, تمنحها العصمة, أنت لست كذلك-.
قال: فلا يدعي لها ما ليس لها, ولا يخبثها بتدنيسه لها, وتصغيره إياها, وتحقيرها بمعاصي الله, -إذا بالغ في تعظيمها ما أنصفها, هي أقل من ذلك, وإذا بالغ في تدنيسها ما أنصفها, هي أرقى من ذلك-, ينبغي أن ينميها بطاعة الله, وتوحيده, وحبه, وخوفه, ورجائه, والتوكل عليه, والإنابة إليه, وإيثار مرضاته ومُحابّه, على مراضي الخلق ومحابهم, ولا يكون بها مع الخلق, ولا مع الله، -هناك إنسان مع الخلق ناجح جداً, مع الله غير ناجح؛ ما أنصفته, ما أكرمته, ضيعت شيئاً ثميناً, كنت مع الخلق, ولم تكن مع الله, وهناك إنسان مع الله؛ لكن ليس مع الخلق, ما أنصفهم, حقق صلة بالله لكن على حساب الخلق-.
ويكون بالله لا بنفسه في حبه وبغضه, - الإنسان يحب أو يبغض؛ يحب تأكيداً لذاته, ويبغض تأكيداً لذاته, هذا إنسان يؤله نفسه, أما المؤمن فيحب لله, ويبغض لله-.
أي مستحيل أن تكره مؤمناً, فإذا كرهته فهذه الكراهية كراهية حسد، مؤمن قد يكون أرقى منك, قد يكون أعلم منك, فإذا أبغضته فهذا البغض دليل حسد, ودليل ضيق أفق, أما إذا أحببته فدليل إيمان.
إنصاف الناس بطولة كبيرة جداً, جزء من علمك، صواب أحكامك على الناس أن يكون بالله لا بنفسه؛ في حبه وبغضه, وعطائه ومنعه, وكلامه وسكوته, ومدخله ومخرجه- أي كلامه وسكوته, ودخوله ومخرجه, وعطاؤه ومنعه, وحبه وبغضه, ينطلق من هذا كله؛ من محبته لله-, ولا يرى لها مكانة يعمل عليها, - أي أنا كذا, إذاً من أنت؟ أنت لا شيء, فإذا فعل هذا, انطبق عليه قوله تعالى:
﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾
﴿اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾
أنا فلان, أنا ابن فلان, أنا أحمل الشهادة الفلانية, أنا لي عمل كذا، كلمة أنا محجوب عن الله, نظرت إلى عملك, أنت من دون فضل الله لا شيء.الله عز وجل لو لم يُعلّم الإنسان لما استمع إليه أحد :
والله هناك آية, دخلت لعند أحد الأخوة الأكارم يضع آية في صدر غرفته, والله اقشعر جلدي منها, هي آية قرآنية:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾
أنت بفضل الله تتكلم كلمتين مقبولتين عند الناس, لو لم يعلمك الله لا أحد يستمع إليك:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
قال: فالعبد المحض الكامل ليس له مكانة يعمل عليها, فإنه يستحق المنافع والأعمال لسيده, ونفسه ملك سيده, - وهذا معنى قوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾
باع نفسه وباع أمواله-، فهو عامل على أن يؤدي إلى سيده كل ما هو مستحق له عليه, ليس له مكانة أصلاً, بل قد كوتب على حقوق الخلق, ولا يزال المُكاتَب عبداً ما بقي عليه شيء من الكتابة, - هذا المصطلح بالعبودية إذا عبد أراد التحرر كان يكاتب سيده, يتفق مع سيده على أعمال يقوم بها مجاناً مقابل أن يعتقه من العبودية, فقد يعمل عشر سنوات بلا مقابل ثمن حريته, فهو عبد مقابل هذا الثمن-.هنا استعار الإمام ابن القيم هذا المصطلح للمؤمن؛ أن المؤمن عبارة عن إنسان كاتب الله عز وجل, فما دام قد كاتب الله فهو عبد له, إلا أن يؤدي كل الأقساط, -ما دام عليه قسط فهو عبد-.
المقصود من إنصاف العبد لنفسه :
قال: والمقصود من إنصافه لنفسه يوجب عليه معرفة ربه, وحقه عليه, ومعرفة نفسه, وما خلقت له, -من أجل أن تكون منصفاً يجب أن تعرف الله, وأن تعرف ما له عليك من حقوق, وأن تعرف نفسك, وأن تعرف لماذا خلقت؟-, وألا يزاحم بها مالكها, وفاطرها, ويدعي لها الملكة والاستحقاق, وألا يزاحم مراد سيده, ويدفعه بمراده هو, أو يقدمه ويؤثره عليه, فلينظر العبد لا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركائه وبين الله بجهله وظلمه, و إلا لُبِّس عليه وهو لا يشعر, فإن الإنسان خلق ظلوماً جهولاً؛ فكيف يطلب الإنصاف ممن وصفه الظلم والجهل؟ وكيف ينصف الخلق ممن لم ينصف الخالق!؟.
إذا الإنسان ما أنصف ربه, ما عرف ربه, ما مدح ربه, ما وصفه بالكمال, ما أنصف الله عز وجل، بعض الآثار القدسية:
((ابن آدم! ما أنصفتني؛ خيري إليك نازل, وشرك إلي صاعد؛ كم أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك, وكم تتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي, ما أنصفتني, إني والإنس والجن في نبأ عظيم؛ أخلق ويُعبد غيري, وأرزق ويشكر سواي, خيري إلى العباد نازل, وشرهم إلي صاعد, أتحبب إليهم بنعمي, وأنا الغني عنهم, ويتبغضون إلي بالمعاصي, وهم أفقر شيء إلي, ولا يزال الملك الكريم: يعرج إلي منك بعمل قبيح, ابن آدم! ما أنصفتني؛ خلقتك وتعبد غيري, ورزقتك وتشكر سواي))
الإنسان كيف ينصف غيره ولم ينصف نفسه، وظلمها أقبح الظلم، وسعى في ضررها أعظم السعي، ومنعها أعظم لذاتها؟ الحقيقة إذا الإنسان شرد عن الله عز وجل يكون أكبر ظالم لنفسه.
الإنسان مخلوق لله فإذا تحرك إلى سواه فقد ظلم نفسه :
من حق الإنسان أن يسعد بالله, صرفها عن الله عز وجل؛ أي متعها بالدنيا, متعها بالطعام والشراب, متعها باللباس والمال, يكون بهذا قد ظلمها, هناك متعة راقية جداً ما وفرها لها, متعه خسيسة, زائلة, معها كآبة, هذه نقطة مهمة جداً، الإنسان مخلوق لله, فإذا تحرك إلى سواه فقد ظلم نفسه, لا يليق بك أن تكون لغير الله.
قال: سعى في ضررها؛ ظلمها أقبح الظلم, وسعى في ضررها أعظم السعي, ومنعها أعظم لذاتها, من حيث ظن أنه يعطيها إياها؛ أتعبها كل التعب, وأشقاها كل الشقاء, من حيث ظن أنه يربحها ويسعدها, وجد كل الجد في حرمانها حظها من الله.
أنت لك حظ من الدنيا, ولك حظ من الله, إذا بالغت في إعطاء نفسك حظها من الدنيا على حساب حظها من الله فقد ظلمتها أشد الظلم, حظها من الله عظيم لأن حظها من الله دنيا وآخرة إلى الأبد, أما حظها من الدنيا فمادامت فيها حياة.
الآن معظم الناس اغتنى؛ همه بيته, أكله, شربه, لبسه, أناقته, المصيف, ذهاب, رجوع, بعد ذلك يموت, متع نفسه متعة قليلة, وحرم نفسه السعادة الأبدية- أتعبها كل التعب, وأشقاها كل الشقاء, من حيث ظن أنه يريحها ويسعدها -.
الآن: حقرها كل التحقير وهو يظن أنه يعظمها, فكيف يرجى الإنصاف ممن هذا إنصافه لنفسه؟ إذا كان هذا فعل العبد بنفسه فماذا تراه بالأجانب يفعل؟))
((ثلاث خلال من جمعهن فقد جمع الإيمان .....الإنفاق من الإقتار والإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم))
والله أحياناً الإنسان يرتكب خطأ في بيته, لا يستطيع إنسان أن يواجهه فيه, وإذا غيره ارتكب خطأ يقيم عليه القيامة, لست منصفاً, إذا زوجته تكلمت كلمة على والدته, يطلقها, وهو ممكن أن يسخر من والدة زوجته ليلاً نهاراً, لا تستطيع أن تتكلم, هو يسخر, أما هي إذا تكلمت كلمة فيقيم القيامة عليها, ليس منصفاً.الإنصاف علامة الإيمان :
الحقيقة الإنصاف من النفس مرتبة بالإيمان عالية الموضوعية.
أحياناً الإنسان يكون عنده دابة لا ينصفها؛ يتعبها, ويضربها, وهي صابرة, قد تكون الدابة أفضل عند الله منه, لأنه ظالم.
مرة شهدت مشاهدة لكنها آلمتني جداً: كنت في محل تجاري- بائع أقمشة- في يوم عطلة, ابنه موجود بالمحل لأن اليوم عطلة, وهو في الصف الثاني تقريباً, وهناك صانع عنده بنفس السن, الشيء الذي لا يصدق أنه حمَّل الصانع؛ أول ثوب, ثاني ثوب, ثالث ثوب, رابع ثوب, لم يعد يتحمل, قال له: لم أعد أستطع, قال له: ما زلت شاباً, حمله ثانية لينقل الأثواب إلى مكان ثان, فأعطاه فوق طاقته, جاء ابنه حمل ثوباً بالمحل, فقال له: بابا انتبه ظهرك, سبحان الله! ابنك حريص على سلامته, وعلى صحته, وهذا ابن الناس لم تهمك صحته!.
أب قال لي: والله وضعت لابني مليوني ليرة دروس خاصة, أربع سنوات لم ينجح.
فكل إنسان يريد ابنه أن يكون بدرجة عالية من الثقافة, إذا كان عنده صانع, طلب منه ساعة إذن ليداوم في مدرسة ليلية, ليأخذ الكفاءة, لا يسمح له, يقول لك: إذا تعلم سيرحل عني, أموره ميسرة هكذا؛ يتيم, ابن يتيم, وخرج من المدرسة, وندم, ولا يوجد عنده طريقة يأكل إلا بالعمل, فالدوام -المتعلق بالمدرسة الليلية- الساعة الخامسة, قال له: أبداً, لا يمكن أن تذهب باكراًً, أطردك, ابنك تريده طبيباً, تضع له مليون ليرة دروس خاصة, أما ابن الناس فيجب أن تبقيه جاهلاً؟! لست منصفاً, القضية ليست بالصلاة, الصلاة فرض.
أنا قلت لشخص البارحة عندما حدثني عن إنسان قال لي: هذا صاحب دين, قلت له: ما هي علامة صاحب الدين؟ قال: أن يصلي, قلت له: ليست علامة كافية, أنت تسمي إنساناً طبيباً إذا كان يرتدي رداء أبيض ويضع نظارات؟ شخص أمي ألبسناه ثوباً أبيض ونظارة وسماعة صار طبيباً؟ الطبيب درس ثلاثاً وثلاثين سنة حتى أصبح طبيباً, كل إنسان ارتدى ثوباً أبيض أصبح طبيباً؟ وكل إنسان صلى صار ديِّناً؟ لا, حتى يكون منصفاً الإنصاف علامة الإيمان.
بذل السلام للعالم و الإنفاق في الإقتار :
الآن: القسم الثاني بالحديث:
((بذل السلام للعالم يتضمن تواضعه, وأنه لا يتكبر على أحد, يبذل السلام للصغير والكبير, والشريف والوضيع, ومن يعرفه ومن لا يعرفه, والمتكبر ضد هذا, فإنه لا يرد السلام على كل من سلم عليه, كبراً منه وتيهاً, وأما الإنفاق في الإقتار فلا يصدر إلا عن قوة وثقة بالله عز وجل, وأن الله يخلفه ما أنفقه, وعن قوة يقين, وتوكل, ورحمة, وجد في الدنيا, وسخاء نفس بها, ووثوق بوعد الله, من وعده مغفرة منه, وفضلاً, وتكذيباً بوعد من يعده الفقر, ويأمره بالفحشاء, والله المستعان))
الإنصاف أن تنصف الناس من نفسك :
والله يا أخوان يحكى على الموضوع أشهر؛ الإنصاف أن تنصف الناس من نفسك, كل شخص يعتقد أنه هو محور العالم؛ هو لا يخطىء, غيره يخطىء, أعماله كلها مبررة, أعمال غيره غير مبررة, هذا موقف ظالم، قرأت مرة كلمة بالسنة: سيدنا ربيعة, شاب فقير جداً, خدم رسول الله سبعة أيام, قال له:
((يا ربيعة, سلني فأعطيك))
رآها ديناً عليه صلى الله عليه و سلم, لم ير نفسه أن الناس يجب أن يخدموه لأنه رسول, هو سيد الخلق, إذا كان هناك إنسان بالأرض يجب أن يخدم إلى ما لا نهاية فهو رسول الله, لكنه لم ير نفسه كذلك, رأى خدمة الإنسان الفقير دين عليه.
قال له:
((يا ربيعة سلني فأعطيك))
طلبت منه السيدة فاطمة خادماً, ماذا قال لها؟ قال لها: "والله -يا بنيتي- لا أؤثرك على فقراء المسلمين".لم يقل: هذه ابنتي, يجب أن يكون لها خادم, يكون لها معاملة خاصة, هذه بنت رسول الله, أنت مثلك مثل كل الناس, اعتبر المسلمين أسرة واحدة, وفيها فقير, يعطي ابنته خادماً, وليس عند المسلمين ما يأكلون!؟ قال لها: "والله -يا بنيتي- لا أؤثرك على فقراء المسلمين".
شكت له تعبها بعمل البيت؛ وطحن الطحين, وخبز الخبز, فما استجاب لها, لم يقل لها: والله ظلمك علي, يجب أن يأتي لك بخادم, لا.
فهناك أشخاص كثر تجده يُحمّل صهره ما لا يطيق؛ نريد بيتاً, نريد كذا, نريد أثاثاً, نريد الصيغة كذا كذا، أنت عندما كنت في سنه لم يكن معك شيء, وبيت حماك زوجوك, ولم يطالبوك بشيء, بعد أن تمكنت, وأصبحت ذا قوة, لا تعطي ابنتك إلا بهذه الشروط! هذا الشيء أيضاً مجحف.
أخواننا الكرام, إذا أنصفت الناس من نفسك, وأنصفت نفسك من الناس بتأدية حقوق الله كاملة, وحقوق الخلق كاملة, وكنت مع الله, ومع الخلق، فأنت منصف.
الآن: أنت مؤمن, والطريق إلى الله سالك؛ لكن كن منصفاً؛ تجده مع ابنته ضد كنته, ليس منصفاً, مع ابنه ضد شريك ابنه, أي دائماً يحادي مع الذي يلوذ به, ليس منصفاً. ما قولك: أن الله أمرك أن تكون منصفاً مع عدوك!؟
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾
اعدل مع شخص كافر ترقى عند الله عز وجل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق