﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ( الأحقاف:24,25)
هاتان الآيتان القرآنيتان الكريمتان جاءتا في أوائل الثلث الأخير من سورة الأحقاف وهي سورة مكية, وآياتها خمس وثلاثون(35) بعد البسملة, وقد سميت السورة بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي منطقة الأحقاف, وهي المنطقة التي سبق أن سكنتها قبيلة عاد, وهم قوم نبي الله هود ـ عليه السلام ـ و(الأحقاف) جمع( حقاف) التي هي جمع( حقف) وهو ما استطال من الكثبان الرملية واعوج, ومنطقة الأحقاف هي من رمال الجزء الجنوبي الشرقي من الربع الخالي وشمال منطقة حضر موت من بلاد اليمن.وأبناء قبيلة عاد كانوا من أشد الناس قوة, وأكثرهم ثراء وترفا في زمانهم, ولكن بدلا من شكر الله ـ تعالي ـ علي نعمه العديدة, والخضوع لجلاله بالطاعة والعبادة, فإن غالبية قوم عاد كفروا, أو أشركوا بالله عبادة الأصنام والأوثان, فبعث الله ـ تعالي ـ نبيه هودا ـ عليه السلام ـ لهدايتهم فعصوه, وسخروا منه, كما سخروا من وعيد الله ـ تعالي ـ لهم, فأرسل الله عليهم ريحا صرصرا عاتية فيها عذاب أليم فدمرتهم وقضت عليهم, ونجي الله ـ سبحانه وتعالي ـ نبيه هودا والذين آمنوا معه, وترك آثار عذاب قوم عاد عبرة لكل من جاء بعدهم. وإن كانت رمال الربع الخالي السافية قد طمرت تلك الآثار.
وتستفتح سورة الأحقاف بحرفين من حروف الفواتح الهجائية هما( حم) وقد تكررا بمفردهما ست مرات في القرآن الكريم, وجاءا في المرة السابعة بإضافة ثلاثة حروف أخري ليصبح الجميع( حم* عسق) وذلك في مطلع سورة الشوري. وتعرف هذه السور السبع باسم( الحواميم) وتشمل: سور غافر, فصلت, الشوري, الزخرف, الدخان, الجاثية, والأحقاف. والفواتح الهجائية التي استهلت بها تسع وعشرون سورة من سورالقرآن الكريم سبق لنا التعرض لها بما يغنينا عن تكرار ذلك هنا.وبعد هذا الاستفتاح يأتي التأكيد الإلهي علي أن القرآن الكريم منزل بالوحي من لدن رب العالمين الذي وصف ذاته العلية بالعزة والغلبة المطلقتين, وبالحكمة البالغة في كل أمر, ويتضح ذلك من خلق السماوات والأرض وما بينهما علي نواميس ثابتة, وإلي آماد محددة ـ وإن طالت ـ مما يؤكد حقيقة الخلق, وعلي ألوهية الخالق, وربوبيته, ووحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه, وعلي حتمية الآخرة. وبالرغم من وضوح ذلك يكفر الكافرون, ويشرك المشركون, ويعرض هؤلاء الملاحدة عن إنذار رب العالمين بالآخرة وأهوالها, وفي ذلك تعتب الآيات في مطلع سورة الأحقاف علي المشركين شركهم فتقول:
﴿حـم *تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ *مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ*قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ *وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ ( الأحقاف:1 ـ6).
وفي هذه الآيات تأكيد ربانية القرآن الكريم, وعلي حقيقة الخلق, وحتمية الآخرة, كما أن فيها استنكارا لشرك المشركين, ولضلالهم عن حقيقة الألوهية بدعاء معبودات غافلة عنهم, لا تسمع دعاءهم, ولشركهم, ولا تستجيب لهم, ولا تملك لهم نفعا ولا ضرا, وفي يوم القيامة سوف تتنكر لهم ولعبادتهم الخاطئة, وتقف منهم موقف التبرؤ والاستهجان, والمعاداة والإنكار.ثم تنتقل الآيات إلي قضية أخري وهي تطاول هؤلاء الكفار والمشركين علي كتاب رب العالمين, وعلي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ فتقول:
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ *أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ *قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ *قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ *وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ *وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِياًّ لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ ( الأحقاف:7 ـ12).
وهذه الآيات تنعي علي الكفار والمشركين في زمن الوحي, وفي كل حين من بعده إلي قيام الساعة, تطاولهم علي كتاب الله بوصفه تارة بالسحر, وتارة بالشعر, وثالثة بأنه من أساطير الأولين, أو بأن خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد افتراه, أو نقله عن كتب السابقين, إلي غير ذلك من وجوه الطعن الكاذب, والله ـ تعالي ـ أعلم بما يخوض الكفار والمشركون به في حق آخر كتبه, المنزل بعلمه لهداية خلقه, وهو ـ تعالي ـ شاهد علي صدق خاتم أنبيائه ورسله, وعلي أمانته في تبليغ ما أوحي إليه من ربه, وهو ـ سبحانه وتعالي ـ شاهد علي جحود الكفار والمشركين في كل عصر وفي كل حين, وهو الغفور لمن تاب وأصلح منهم, والرحيم بعباده المؤمنين.وتؤكد الآيات علي لسان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه ليس أول رسول يبعثه الله ـ تعالي ـ لهداية خلقه, وليست رسالته الشريفة بأول رسالات السماء حتي ينكرها المنكرون من الكفار والمشركين, بل هو خاتم الأنبياء والمرسلين, ورسالته هي خاتمة رسالات السماء, والمهيمنة عليها, والناسخة لها جميعا, وهو ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقر بأنه لا يتبع إلا ما ينزل الله ـ تعالي ـ عليه من الوحي, وأنه رسول الله المنذر من عذابه, ببيان لا ينكره إلا جاحد.
وتشير الآيات إلي إسلام الصحابي الجليل( عبدالله بن سلام) علي يدي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بعد تحققه من أنه النبي المنتظر, بناء علي الأوصاف التي وردت عنه في صحف الأقدمين, علي الرغم من جحود قومه من اليهود له, وكفرهم بما جاء به.
كذلك ردت الآيات علي شبهة أخري أثارها كفار ومشركو الجاهلية, ولا يفتأ عن إثارتها كفار ومشركو كل عصر, وهي تعيير المسلمين بالفقر. ولما لم يهتد هؤلاء الكفار والمشركون إلي الحق الوحيد الموجود بين أيدي الناس طعنوا فيه بأنه مأثور عن كتابات الأولين. ولا تزال هذه المفتريات تتردد حتي اليوم علي الرغم من نزول الكتب علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين من مثل التوراة التي أنزلها الله ـ تعالي ـ علي عبده ورسوله موسي ـ عليه السلام ـ وقد بشرت ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ـ وباسمه وصفته. وبناء علي ذلك تخاطب الآيات كفار ومشركي الجاهلية ـ كما تخاطب الكفار والمشركين في كل عصر ـ بأن القرآن الكريم أنزله الله ـ تعالي ـ بلسان عربي مبين, مصدقا لما أنزل من الكتب من قبل( لينذر الذين ظلموا وبشري للمحسنين) فكيف يمكن لعاقل أن ينكره, وقد تعهد الله ـ تعالي ـ بحفظه فحفظ.وبعد أن بين الله ـ تعالي ـ أحوال الكفار والمشركين, ومواقفهم الخاطئة والجائرة المكذبة بالقرآن الكريم, أردف بذكر جانب من أحوال عباد الله المخلصين, المؤمنين به, وبملائكته وكتبه ورسله وعلي رأسهم خاتمهم أجمعين, وبالقرآن الكريم ـ وذلك في يوم الفزع الأكبر في الآخرة فيقول ـ عز من قائل:-
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ( الأحقاف:14,13).
ثم تنتقل الآيات إلي توصية الإنسان بوالديه فتقول:
﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ *أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ ( الأحقاف:16,15).وفي المقابل تصف الآيات حال الابن الكافر, والعاق بوالديه المؤمنين وموقفه من قضايا الحق وركائزه وفي مقدمتها: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه من بعث وحشر وحساب وجزاء, فتقول:
﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ القُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾ (الأحقاف:17).
وترد الآيات في سورة الأحقاف علي هذا الابن العاق, وعلي أمثاله من الضالين قديما وحديثا وإلي يوم الدين فتقول:
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ *وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ ( الأحقاف:18 ـ20).
ومن قبيل تهديد الكفار والمشركين في زمن الوحي ومن بعده إلي يوم الدين, ومن أجل تثبيت الله ـ تعالي ـ لخاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في مواجهة هؤلاء الكفار والمشركين الذين كذبوا بعثته الشريفة, وتنكروا للقرآن الكريم, تعرض الآيات لقصة قوم عاد مع نبيهم هود ـ عليه السلام ـ ولما أصابهم من تدمير كامل جزاء كفرهم وشركهم فتقول:
﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *قَالَ إِنَّمَا العِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ *فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ ﴾ ( الأحقاف:21 ـ25).والعارض سحاب يعرض في الأفق.ومع استمرار الحديث عن قوم عاد ينتقل الخطاب إلي كفار ومشركي قريش ليقول لهم رب العالمين:
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ *وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ القُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (الأحقاف:26 ـ28).
ثم تنتقل الآيات بالحديث عن إسلام نفر من الجن بعد الاستماع إلي تلاوة من رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لبعض آيات القرآن الكريم في تهجده بوادي النخلة في أثناء عودته من الطائف, وفي ذلك توبيخ لكفار ومشركي قريش الذين أعرضوا عن الإيمان بالإله الواحد الذي خلقهم ورزقهم, واتجهوا إلي الكفر أو الشرك به, وهو توبيخ للكفار والمشركين في كل عصر إلي يوم الدين, وفي ذلك تقول الآيات:
﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ *قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ *يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ ( الأحقاف:29 ـ32).
وتختم سورة الأحقاف بالاستشهاد بخلق السماوات والأرض علي طلاقة قدرة الله ـ تعالي ـ في تحقيق إحياء الموتي وبعثهم, وبتهديد الكافرين بعرضهم علي النار, وبتوصية خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالتمسك بالصبر كما صبر أسلافه من أولي العزم من الرسل, مع التأكيد علي قصر الحياة الدنيا ومرحليتها فتقول:
﴿أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ المَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ *فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القَوْمُ الفَاسِقُونَ﴾ (الأحقاف:33 ـ35).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق